وتقارن وتحقق، ووجد الجهابذة الذين يمتلكون القدرة على التمييز بين المرويات.

وخلال ذلك ردْ على فرية بعض المستشرقين الذين يزعمون أن السنة النبوية تأخر تدوينها، فيقيم الأدلة التاريخية القاطعة على كذب هؤلاء، فلم ينقطع التدوين منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن وجدت كتب السنة المشهورة، ولعل هذه الصفحات من كتابه من أروع الصفحات. ومما قاله في هذه الصفحات:

فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كتبوا بأيديهم في عهده صلى الله عليه وسلم وجمعوا من أحاديثه في حياته، وتركوا ذلك لمن بعدهم، والذين جاءوا بعدهم أدخلوه في كتبهم، ولا أعدو الحقيقة إذا قلت: إن التابعين - رضي الله عنهم - جمعوا جميع المرويات في عهد الصحابة، وكتبوا في حياتهم ما وصل إلى علمهم من الأخبار والشؤون، وبحثوا عن ذلك بحثاً طويلاً، وبذلوا فيه جهودهم وسافروا له، وطرقوا أبواب العلماء والمحدثين، حتى لقد كانوا يطوون لأجل الحديث الواحد مسافة طويلة وشُقَّة بعيدة.

والحق أن جميع الأحاديث والأحكام والأخبار تم تدوينها عند المسلمين في ثلاثة أطار:

الطور الأول هو الذي كان فيه الصحابة وكبار التابعين.

الطور الثاني هو الذي كان فيه صغار التابعين وتابعو التابعين.

والطور الثالث هو عهد المحدثين وأئمة السنة كالإمام محمد بن إسماعيل البخاري، والإمام مسلم صاحب الجامع الصحيح، والإمام الترمذي، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم من المحدثين.

وما جمع في الطور دوِّن في كتب الطور الثاني، وما دوِّن في الطور الثاني جمع ونُظِّم في كتب الطور الثالث، ونرى أمامنا أكثر ما جمع في الطورين الثاني والثالث مدوناً في كتب كثيرة تشتمل على آلاف من الأوراق هي في الواقع من أثمن الذخائر العلمية في العالم، بل لا يوجد في جميع ذخائر الدنيا لعلمية أوثق منها سنداً وأصح تاريخاً ورواية.

ولقد صدق الأستاذ الكبير العلامة الشيخ شبلي النعماني حين قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015