نقلت لنا ليس فيها ما يتفق مع الفطرة البشرية، إنَّ في شأن الربوبية أو في شأن السلوك أو في شأن العمران، فعدا عن قصورها فإن فيها انحرافاً وضلالاً وخراباً، فبعض هذه الديانات ليس لله فيها ذكر كالديانة البوذية والصينية، وبعضها ليس في أصولها المنقولة تفصيل عن طبيعة العلاقة مع الله كالديانة اليهودية والمسيحية، وفي التعامل بين بني الإنسان لا تجد تفصيلاً شاملاً بل نجد قصوراً وأخطاء فطرية، ولو طبقت هذه الأديان حرفياً كما وصلت إلينا لترتب على ذلك خراب العالم وشقاء الإنسان.
يقول المؤلف:
لم تكن سيرة بوذا قط أسوة للهناء العائلي، ولا لأهل الصناعات والمتاجر، ولو اتخذ أتباع بوذا قدوة لهم من حياة بوذا لما قامت لهم هذه الدول في الصين واليابان وسيام وتبت وبرما، ولما عمرت للتجارة في بلادهم سوق، ولا دبت الحياة في صناعاتهم ومصانعهم، ولو اختار أهل تلك البلاد سيرة متبوعهم سيرة لهم وساروا عليها لأقفرت الأرض العامرة وتحولت إلى صحاري قاحلة، ولأصبحت المدن خراباً أو أرضاً جرداء.
ولو أن الناس في أيامنا هذه آثروا التأسي بحياة عيسى - عليه السلام - وأرادوا أن يعيشوا كما عاش، لخربت الدنيا واستحال عمرانها خراباً يباباً، ولأصبحت القرى مقابر تتردد في أنحائها أصوات البوم، أما الحضارة وتقدمها فسرعان ما يعتريهما الزوال ويمحى اسمهما، وأوروبا المسيحية لن تبقى بعد ذلك يوماً واحداً.
ويخلص في نهاية المحاضرة إلى قوله:
إن الإنسان ينشد مثالاً يقتدي به في كل عمل يقدم عليه، في غناه وفقره، وفي سلمه وحربه، ويتحرى السبيل الذي يسلكه إذا تزوج أو بقي عزباً، ويريد أنموذجاً عالياً يأتم به إذا عبد ربه، أو عاشر الناس، ويحاول أن يلم بالقوانين التي ينبغي العمل بها بالنسبة إلى الراعي والرعية والحكام والمحكومين.
جميع هذه الأمور ينبغي للمرء أن يتخذ لنفسه القدوة فيه، لأن الأمم قد التوت عليها هذه المسألة، فأهمها التماس الطريق الموصل إلى حلِّ هذه المعضلات وتذليل هذه المصاعب،