بمناسبة قوله تعالى حكاية عن قسم إبليس: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ نتذكر ما أثبتناه في فوائد المقطع الأول عند قوله تعالى:
إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ من أجل أن نعمل على السير إلى طريق الاستخلاص، وهو كما حددته الآية: ذكر الدار الآخرة، والتذكير به- وحبذا لو وقف الإنسان عند الآيات المذكرة بالآخرة- وكانت له جلسة تفكر في الآخرة كل يوم، قال تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر: 18].
...
لاحظ قوله تعالى في سورة (ص) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ وتذكر ما فسّر به المفسرون قوله تعالى: وَالْأَبْصارِ بأنه البصر في الدين والفقه فيه. وتذكّر الآن محور السورة من سورة البقرة:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
فالكافرون على أبصارهم غشاوة، والرسل عليهم الصلاة والسلام أصحاب الأبصار، هذا نموذج على الصلة الدقيقة بين سورة (ص) ومحورها من سورة البقرة.
وقد رأينا كيف أن مقدّمة سورة (ص) أرتنا كيف أن الكافرين لا ينفع معهم الإنذار، كما رأينا كيف أن المقطع الأول أعطى دروسا للنذير من خلال الأمر بالصبر والذكر، ثم رأينا كيف أن المقطع الثاني أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقول المعاني الأخيرة الفاصلة القاطعة التي تقيم الحجج النهائية على الكافرين، وقد رأينا كيف أن عدم انتفاع الكافرين بالإنذار قد عرض في السورة بما تقوم به الحجة على الكافرين قياما كاملا، من خلال ذكر خصائص القرآن، وخصائص الرسول عليه الصلاة والسلام.
...
وسورة (ص) والصافات عالجت كل منهما معاني رئيسية لمحور محدد، ولكن كون السورتين عالجتا مقدمة سورة البقرة فإنك تجد تداخلا بين السورتين، بحيث تجد سورة الصافات قد تعرضت لمواقف الكافرين، وبحيث تجد سورة (ص) قد تعرّضت للكلام عن المتقين، ولكن في نفس الوقت انصبّ الكلام الرئيسي في سورة الصافات على