عنه وأذاهم فكان يضيق صدره من الأذى ولا ينشط له، فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم والنهي متوجه إلى الحرج. والمعنى: هذا الكتاب أنزلته إليك فلا يكن بعد إنزاله حرج في صدرك لِتُنْذِرَ بِهِ أي: أنزل إليك لإنذارك به وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي:
لتنذر به الكافرين، وتذكر به المؤمنين، فهذا الكتاب للإنذار والذكرى
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أي: الكتاب والسنة لأن كليهما وحي منزل. فما قصه الله علينا في كتابه، أو قصه علينا رسوله صلى الله عليه وسلم من أخبار الماضين، وما أمر الله به في القرآن أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم كل ذلك وغيره من الكتاب والسنة وحي وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أي من دون الله، أو لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غيره؛ فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره أَوْلِياءَ أي ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والإنس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره والمعنى: تتذكرون تذكرا قليلا؛ ومن ثم، فالذكر الكثير والتذكر الكثير هما طريق الهداية من الانحراف
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أي كثير من القرى أردنا إهلاكها فَجاءَها بَأْسُنا أي فجاء أهلها عذابنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ أي بائتين في الليل، أو قائلين في النهار، من القيلولة، وخص هذان الوقتان لأنهما وقتا الغفلة فيكون نزول العذاب فيهما أشد وأفظع. قال النسفي: (وقوم لوط عليه السلام أهلكوا بالليل وقت السحر، وقوم شعيب عليه السلام وقت القيلولة)
فَما كانَ دَعْواهُمْ أي دعاؤهم وتضرعهم إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا أي لما جاءهم أوائل العذاب إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي اعترفوا بالظلم على أنفسهم والشرك حين لم ينفعهم ذلك
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أي فلنسألن المرسل إليهم وهم الأمم عما أجابوا به رسلهم وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ أي عما أجيبوا به
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ أي فلنقصن على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم بِعِلْمٍ أي عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة، وأقوالهم وأفعالهم وَما كُنَّا غائِبِينَ أي عنهم وعما وجد منهم
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ أي: ووزن الأعمال يوم يسأل الله الأمم ورسلهم العدل. قال النسفي: (ثم قيل: توزن صحف الأعمال بميزان له لسان وكفتان إظهارا للنصفة وقطعا للمعذرة) وقيل هو عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل، والله أعلم بالكيفية التي يتم بها ذلك وسيأتي كلام على هذا الموضوع في الفوائد فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ أي فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها وزن وقدر- وهي الحسنات- أو ما توزن به حسناتهم فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون
وَمَنْ خَفَّتْ