أجل أن ينذر الكافرين وأن يذكر المؤمنين. ثم أمر الله عزّ وجل الناس أن يقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءهم بكتاب من عند الله رب كل شئ ومليكه. ثم نهاهم عن أن يخرجوا عما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غيره، فيكونوا قد عدلوا عن حكم الله إلى حكم غيره، ثم بين أن التذكر قليل، والغفلة كثيرة. ثم هدد الله عزّ وجل هؤلاء الغافلين، مذكرا بعقابه في الدنيا والآخرة، فبين أن كثيرا من القرى أهلكها الله بمخالفة رسله وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خزي الدنيا موصولا بذل الآخرة، وأن هذه القرى الهالكة منهم من جاءهم أمر الله وبأسه ونقمته ليلا، ومنهم من جاءهم بأسه في قيلولتهم ووقت استراحتهم وسط النهار، وكلا الوقتين المذكورين وقت غفلة ولهو، فما كان قول هؤلاء المكذبين عند مجئ العذاب إلا أن اعترفوا بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا، ثم بين تعالى أنه سيسأل الجميع، الرسل والمرسل إليهم، ويسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به. ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ رسالاته. ويخبر الله الجميع بما قالوا وما عملوا من قليل وكثير، وجليل وحقير، لأنه تعالى الشهيد على كل شئ، لا يغيب عنه شئ، ولا يغفل عن شئ بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور.
مع الإعلام بكون الوزن للأعمال بالحق، فلا يظلم تعالى أحدا، والوزن يتحدد به الفلاح والخسران، فالمفلح من ثقلت موازينه، والخاسر من خفت موازينه، بسبب ظلمهم في مواقفهم من آيات الله.
المص نقل ابن كثير هنا ما رواه ابن جرير عن ابن عباس في معناها (أنا الله أفصل) ونقل كذلك هذا القول عن سعيد بن جبير. وقال النسفي: (قال الزجاج:
المختار في تفسيره ما قال ابن عباس رضي الله عنه: أنا الله أعلم وأفصل) وأقول: إن هذه الأحرف ليس في تفسيرها نص، وكل ما قاله المفسرون هو ملاحظات لاحظوها ففهموا منها فهما، وقد رأينا في أول تفسير سورة البقرة مجموعة ملاحظات حول هذه الأحرف، ونلاحظ هنا أن ابن عباس قد فهم أن كل حرف من هذه الأحرف هو جزء كلمة يتشكل من المجموع جملة تنسجم مع معنى السورة
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ أي هذا كتاب وهو القرآن فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ أي شك فيه، وسمى الشك حرجا لأن الشاك ضيق الصدر حرجه كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه، أو المراد: فلا يكن صدرك حرج منه بتبليغه لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم