إن في القرآن سرا آخر، وروابط أخرى أقوى، تربط سور هذا القرآن بعضها ببعض بروابط هي وحدها إعجاز، فكيف إذا كانت واحدة من مظاهر الإعجاز؟.

لقد درجنا فيما مرّ من هذا التفسير، أن نعرض لوجهة نظرنا في موضوع الوحدة القرآنية، بشكل رفيق، وكلما جاءت مناسبة ذكرنا جزءا من وجهة النظر، بحيث يكمّل ما سبق ذكره، ويبقى الموضوع مفتوحا لكلام جديد.

إن كل سورة في القرآن الكريم هي جزء من قسم، أو جزء من مجموعة في قسم، وكل مجموعة سور تشكل فيما بينها وحدة على ترتيب معيّن، وكل سورة في مجموعة لها محورها من سورة البقرة، والمجموعة مع بعضها تلقي أضواء التفصيل على محاور سورها في سورة البقرة، على ترتيب تفصّل فيه السورة اللاحقة في محور يأتي بعد محور السورة السابقة، بحيث تجد آية أو آيات في سورة البقرة، قد فصلتها سورة، ثم سورة، ثم سورة، وكل ذلك على طريقة عجيبة في التفصيل كما سيمر معنا بإذن الله تعالى.

ولا يعني ما مرّ أنّ سورة البقرة كانت آياتها مجملة (?)، فالله- عزّ وجل- وصف القرآن كله بالإحكام والتفصيل: «كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» (هود: 1) فسورة البقرة مفصّلة فيها المعاني ومن ثمّ فهي تلقي أضواء التفصيل على بقية السور، والسور كلها تلقي عليها أضواء التفصيل بما يتكامل معه التفصيل تكاملا عجيبا.

ولعلّه لم يحن حتى الآن، أو ان الكلام في هذا الموضوع بأكثر مما ذكرنا فلنكتف هاهنا بهذا القدر الذي ستأتيك أمثلته وتفصيلاته مرّات ومرّات.

لقد كانت سورة البقرة مقدمة، وأقساما ثلاثة، وخاتمة، ورأينا كيف أن المعاني تترابط فيها ترابطا مدهشا، وكيف أن كل الأقسام مرتبطة بالمقدمة، وكيف أن الخاتمة كذلك مرتبطة بالمقدمة.

ثم جاءت سورة آل عمران ففصّلت في مقدمة سورة البقرة والمعاني التي هي أشد لصوقا بها، وقلنا من قبل: إن سورة النساء والمائدة والأنعام ستفصل في المقطع الأول من القسم الأول من سورة البقرة، بشكل مباشر على الترتيب التالي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015