فلو قال: بعتك بألف صحيحة، فقال: اشتريته بألف مكسرة ونحوه، لم يصح البيع في ذلك؛ لأنه رد للإيجاب لا قبوله له؛ فإن تقدم القبول على الإيجاب، صح بلفظ أمر، أو ماض مجرد عن استفهام ونحوه.
وإن تراخى القبول عن الإيجاب، أو عكسه، صح ما دل في المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعه عرفًا؛ لأن حالة المجلس كحالة العقد.
الصورة الثانية لعقد البيع: الدلالة الحالية، وهي المعاطاة، تصح في القليل والكثير؛ لعموم الأدلة؛ ولأن البيع موجود قبل الشرع، وإنما علق الشرع عليه أحكامًا، ولم يعين له لفظًا، فوجب رده إلى العرف كالقبض والحرز، ولم يزل المسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من أصحابه استعمال إيجاب وقبول في بيعهم، وكذلك في الهبة والهدية والصدقة، فإنه لم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه استعمال ذلك فيه.
ومن صور بيع المعاطاة قول المشتري: أعطني بهذا الدرهم خبزًا، فيعطيه البائع ما يرضيه وهو ساكت، أو يقول البائع للمشتري: خذ هذا بدرهم، فيأخذ وهو ساكت. ومنها: لو ساومه سلعةَ بثمن، فيقول: خذها، أو هي لك، أو: أعطيتكها، أو يقول: كيف تبيع الخبز؟ فيقول: كذا بدرهم، فيقول: خذ درهمًا، أو: زنه، أو وضعَه -أي: المشتري- ثمنه عادة وأخذه، ونحو ذلك مما يدل على بيع أو