عن الأخرى كغسل الجنابة عن غسل الجمعة وعكسه؛ فإن خرج قبل الوداع رجع إليه وجوبًا، بل إحرام إن لم يبعد عن مكة؛ لأنه لإتمام نسك مأمور به كما يرجع لطواف الزيارة ويحرم بعمرة إن بُعد عن مكة، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم يودع عند خروجه؛ فإن شق رجوع من بَعدَ ولم يبلغ المسافة أو بَعُد عنها مسافة قصر، فعليه دم؛ لقول ابن عباس: من ترك نسكًا فعليه دم بلا رجوع دفعًا للحرج.
ولا وداع على حائض؛ لحديث ابن عباس: إلا أنه خفَّف عن المرأة الحائض، متفق عليه.
ولما ورد عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: حاضت صفية بنت حيي بعد ما أفاضت، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «أحابستنا هي؟» قلت: يا رسول الله، إنها قد أفاضت وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، قال: «فلتنفر إذًا» متفق عليه.
والنفساء في معنى الحائض لا وداع عليها، إلا أن تطهر الحائض والنفساء قبل مفارقة بنيان مكة، فيلزمها العود؛ لأنها في حكم المقيم، بدليل أنها لا تستبيح الرخص قبل المفارقة؛ فإن لم تعُدْ لِعُذرٍ أو غيره فعليها دم.
ثم بعد وداعه يقف في الملتزم وهو أربعة أذرع بين الركن وباب الكعبة ملصقًا بالملتزم جميعه بأن يلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: طفت مع عبد الله، فلما جاء دبر الكعبة، قلت: ألا تتعوذ؟ قال: تعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، فقام بين الركن والباب فوضع صدره وذراعيه وكفيه وبسطهما بسطًا، وقال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل، رواه أبو داود.