وقدمت الوصية على الدين للاهتمام بشأنها، ولأن النفس قد لا تسمح بها لكونها تبرعًا، أو لأنها كانت على وجه البر والصلة، والدين يقع بعد الميت بنوع تفريط، بدأ بالوصية لكونها أفضل أو لأنها حظ الفقير غالبًا والدين حظ الغريم، ويطلبه بقوة أو لأجل ذلك كله، وإلا فهو مقدم عليها شرعًا بعد مؤن التجهيز بلا نزاع.
لما ورد عن علي - رضي الله عنه - قال: «إنكم تقرؤن هذه الآية {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، وأن النبي قضى بالدين قبل الوصية» يشير إلى أن الترتيب في الذكر لا يوجب الترتيب في الحكم، وروي أنه قيل لابن عباس - رضي الله عنهما -: أنك تأمر بالعمرة قبل الحج وقد بدأ الله تبارك و - سبحانه وتعالى - بالحج، فقال: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقال - رضي الله عنه -: كيف تقرؤون آية الدين؟ فقالوا: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} ، فقال: وبماذا تبدؤن؟ قالوا: بالدين، قال - رضي الله عنه -: هو ذاك.
وأما الأدلة من السُّنة فمنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» متفق عليه.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية فتجب لهما النار» ثم قرأ أبو هريرة: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ} إلى قوله: {وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} .
وينبغي لمن رأى المريض أو غيره يجنف في الوصية أن ينصحه وينهاه؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا}