«مسنديهما» وابن أبي الدنيا في كتاب «الطوعين» والبزار وأبو يعلى والطبراني وابن خزيمة والحاكم وصححه البيهقي في «الدلائل» من طرق علي بن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فناء أمتي بالطعن والطاعون» ، قيل: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: «وخز أعدائكم الجن، وفي كل شهادة» .

قال ابن الأثير: الطعن: القتل بالرمح، والوخز طعن بلا نفاذ، فبهذا الحديث وغيره ظهر بطلان قول بعض الأطباء أن الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالاً وأن سببه فساد جوهر الهواء.

وقد أبطل ابن القيم - رحمه الله - في «الهدى» قول الأطباء هذا بوجوه، منها: وقوعه في أعدل الفصول، وفي أصح البلاد هواء وأطيبها ماء، ومنها: لو كان من الهواء لعم الناس والحيوان، ونحن نجد الكثير من الناس والحيوان يصيبه الطاعون وبجانبه من جنسه ومن يشابه مزاجه من لم يصيبه وقد يأخذ أهل البيت بأجمعهم ولا يدخل بيتًا يجاورهم أصلاً ويدخل بيتًا فلا يصاب منه إلا البعض وربما كان عند فساد الهواء أقل مما يكون عند اعتداله، ومنها: أن فساد الهواء يقتضي تغير الأخلاط وكثرة الأمراض والأسقام، وهذا يقتل بلا مرض أو بمرض يسير، ومنها: أن لو كان من فساد الهواء لعم جميع البدن بمداومته الاستنشاق.

والطاعون: إنما يحدث في جزء خاص من البدن، لا يتعداه لغيره، وللزوم دوامه في الأرض؛ لأن الهواء يصح تارة ويفسد أخرى، ويأتي على غير قياس ولا تجربة ولا انتظام، فربما جاء سنة على سنة، وربما أبطأ عدة سنين.

ومنها: أن كل داء بسبب من الأسباب الطبيعية له دواء من الأدوية الطبيعية، وهذا الطاعون أعيا الأطباء دواؤه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015