رواه الترمذي، وحسنه في رواية أبي داود والدارقطني من حديث عروة بن الزبير، قال: ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرس أحدهما نخلاً في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، فلقد رأيتها وأنها لتضرب أصولها بالفؤوس وأنها لنخل عم والعم الطوال من النخل التامة طولها والتفافها، وأنشد أبو عبيد للبيد يصف نخلاً:
سحق يمنعها الصفا وسرية ... عم نواعم بينهن كروم
وأخذ الغاصب أيضًا بتسوية الأرض وأرش نقصها؛ لأنه ضرر حصل بفعله فلزم إزالته كغيره وعليه أجرة مثل الأرض مدة احتباسها؛ لأن منافعها ذهبت تحت يده العادية فكان عليه عوضها كالأعيان حتى ولو كان الغاصب أحد الشريكين في الأرض المغصوبة أو لم يغصبها الغارس أو الباني فيها؛ لكنه فعله بغير إذن للتعدي ولا يملك رب الأرض أخذ البناء أو الغراس من الغاصب مجانًا ولا بقيمته؛ لأنه عين مال الغاصب فلم يملك رب الأرض أخذه كما لو وضع فيها أثاثًا أو نحوه، ولأنها معاوضة فلم يجبر عليها وإن اتفقا على الغراس، فالواجب قيمته الغراس.
ولو أدرك رب الأرض المغصوبة الثمر فيها، وأراد أخذه فقط دون أصله قهرًا منع منه؛ لأنه ثمر شجر الغاصب فكان له كالأغصان والورق ولبن الشاة ونسلها وما تقدم من أن لصاحب الأرض تملك الزرع بنفقته فهو مخالف للقياس، وإنما صار إليه الإمام للأثر فيختص الحكم به ولا يعدي إلى غيره، ولأن الثمرة تفارق الزرع من وجهين، أحدهما: أن الزرع نماء الأرض فكان لصاحبها والثمر نماء الشجر فكان لصاحبه.
الثاني: أنه يرد عوض الزرع إذا أخذه مثل البذر الذي نبت منه الزرع مع ما أنفق عليه ولا يمكنه مثل ذلك في الثمرة.