على مفارقة صاحبه، فتارة يذهب الخشاب إلى دار صديقه، وتارة يذهب الشاب الفرنسي إلى دار الخشاب، فيتجاذبان أطراف الأحاديث، ويقع بينهما من لطف المحاورة ما يتعجب منه، يقول "الجبرتي": -وعند ذلك قال "الخشاب" الغزل الرائق والنظم الفائق1.
أفلام تكون هذه المخالطة من أسباب تنشيط شعره، وانطلاق قريضه وسعة خياله؟
وهل لنا أن نذهب إلى أن هذه المخالطة دلت "الخشاب" على كثير من أخلاق الفرنسيين، وعادتهم وأحوالهم، وطبائعهم فبسط ذلك في فكره وفسخ في مخيلته؟
يقول الخشاب في صديقه الفرنسي:
علقته لؤلؤي الثغر باسمه ... فيه خلعت عذاري بل حلا نسكي
ملكته الروح طوعا ثم قلت له ... متى ازديارك لي أفديك من ملك
فقال لي وحميا الراح قد عقلت ... لسانه وهو يثني الجيد من ضحك
إذا غزا الفجر جيش الليل وانهزمت ... منه عساكر ذاك الأسود الحلك
فجاءني وجبين الصبح مشرقة ... عليه من شغف آثار معترك
في حلة من أديم الليل رصعها2 ... بمثل أنجمه في قبة الفلك
فحلت بدرا به حفت نجوم دجا ... في أسود من ظلام الليل محتبك3
وافى وولى بعقل غير مختبل ... من الشراب وستر غير منهتك4