ما لا يستقيم في آذاننا من لهجة أولئكم الأعراب قال:
دعاني صاحبك ذات عشية إلى أن أصعد إليه، فلما استوينا في مجلسنا من إحدى الغرف أومأ إلى ركنها، فحولت بصري فإذا دمية1 من خشب بتر ساقاها، فأقعدوها على منضدة لها أنف صغير، ولها أذنان دقيقتان وقد توسط ما دون الجبين عين لها واعجباه -واحدة تمزقت حدقتها فتناثرت في بياضها تناثر أكارع النمل على صفحة الرمل، ولها فم -يا حفيظ- قد استهلك نصف وجهها مشجوه بديباجة من حرير، وليتهم سدوا عليه مسامير من حديد، وما أحسب والله هذه الدمية إلا صنعت على صورة الجن لم تطبع على صورة إنسان.
ثم قامت صاحبك إليها فحرك أذنها، وسرعان ما أحمدت حدقتها فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم، ثم سمعت لها حسيسًا2 ما لبث أن استحال زمزمة3 وهمهمة4، فخلت والله أن الأرض قد زلزلت علي وأحسست قلبي يتمشى من الروع في صدري حتى يصك حنجرتي، فجمعت ثوبي للهرب، فجذب صاحبك فضل ردائي ولو قد أطلقني ما أصبت المهرب، فلقد تخاذلت عني ساقاي، وأظلم ما بيني وبين وجه الطريق، وجعلت ألتمس آية الكرسي أستعصم بها من هذا الشيطان، فأذهبها الرعب عني، وكأني لم أحفظ منها في دهري
الأطول إلا كلمة واحدة، ولما رأى صاحبي ما بي قال لي: خفض عليك يا شيخ، فقلت: وهذا العفريت -قال: لن ينالك منه مكروه إن شاء الله، فقلد قيدوا ساقه وشدوا وثاقه، فما يجد له من أساره فكاكا، ولا يستطيع في محبسه حراكًا، قلت-: أفيسجن سليمان المردة في قماقم نحاس أو من ذهب، وأنتم لا تبالون أن تسجنوها في جماجم من خشب؟