وإذ كان مدرسًا للعلوم العربية في مدرسة الألسن الخديوية يجمع بين العمل فيها، والعمل في الأزهر، ودار العلوم وجه همه في درس العلوم العربية إلى تنقيح طرق التعليم والتدريس، وتهذيبها فقد كانت الغاية التي يرمي إليها إيجاد نابتة من المصريين تحيي اللغة العربية، والعلوم الإسلامية، وتقوم عوج الحكومة1.
وفي 25 يونيه سنة 1879م تنازل إسماعيل إلى ابنه توفيق، ونفي جمال الدين من مصر، وأقال محمد عبده من دار العلوم، ومدرسة الألسن وأمره بالاعتكاف في قريته لا يغادرها، وكان ما أصاب محمد عبده، إنما هو نتيجة لاتصاله بجمال الدين ولآرائه المتطرفة في الدين والسياسة تلك الآراء التي بشر بها في تدريسه، وأذاعها فيما كتبه في الصحف2.
ولما عاد إلى البلاد رياض باشا ناظر النظار كان محمد عبده رئيسا لتحرير الوقائع المصرية في سبتمبر سنة 1880م، فنهض بالوقائع ورفع الصحافة إلى أسمى مكان.
وقد أتيحت له بالإشراف على التحرير، والقيام على الصحف فرصة طيبة، فبث أفكاره، ونشر آرائه إذ كان أمام المطالبين بتقديم البلاد ورقيها، والمدافع عن الشورى والعامل على رفعة الإسلام، ومجد المسلمين والمناهض لاحتلال البلاد، والانتقاص من حقوقها وكرامتها، والعمل على تقيد سلطة الحكم بالشورى.
والحق أن محمد عبده كان شعلة إصلاح، ونهوض تفتحت عيناه على عقم الأزهر، وطريقه في الحياة فذهب النهج، وعبد الطريق واقتحم العقبات بإيمانه وعزمه، ولم يبال بما حثى على عطفيه من التهم والظنون، وقد عاش