وجه أبعد من الخطر, وأقرب إلى الظفر, يستدعي أن يكون للداعي في كل قلب سليم حق, ودعوة صدق, طلبوا عدة طرق لنشر أفكارهم بين من خفي عنه شأنهم من إخوانهم، واختاروا أن تكون في مدينةٍ حرةٍ كمدينة باريس؛ ليتمكنوا بواسطتها من بَثِّ آرائهم, وتوصيل أصواتهم إلى الأقطار القاصية1.

كان جمال الدين الأفغانيّ مديرًا للصحيفة يرسم سياستها, وكان الشيخ محمد عبده رئيس تحريرها, فالآراء والأفكار فيها كانت مشتركةً بين الاثنين, والمحرر لجميع مقالاتها هو الثاني.

وكانت مقالات "العروة الوثقى" جامعةً بين روح جمال الدين, وقلم الأستاذ الإمام, فجاءت آيات بيناتٍ في سموِّ المعارف، وقوة الروح، وبلاغة العبارة، وهي أشبه ما تكون بالخطب النارية, تستثير الشجاعة في نفوس قارئها, وتداني في روحها وقوة تأثيرها أسلوب الإمام عليٍّ -كرم الله وجهه- في خطبة الحماسية المنشورة في "نهج البلاغة "كذا2".

ظهر العدد الأول منها في 5 من جمادى الأولى سنة 1301هـ, الموافق 3 من مارس سنة 1884م, وقد أخذت من قلوب الشرقيين كل مأخذ, وأثرت في نفوسهم أثرًا لم يبلغه وعظُ واعظٍ, ولا تنبيه منبهٍ، وهي ذات أثر في كلّ ما وجد بعد من حركات الوطنية والحرية في بلاد الشرق3.

وقد روّع الإنجليز من هذه المجلة, وهاجمها الصحفيون البريطانيون قبل ظهورها, حين كتب عنها بعض الصحف الفرنسية وهي في ضمير الغيب, وأنذر هؤلاء المحررون الإنكليز بما ستفعله هذه الصحيفة في سياستهم ونفوذهم في البلاد الشرقية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015