السجع, أو يجري وراء حشو اللفظ الذي يحجب معناه, بل درج في بيانه على أسلوبٍ هادئ, فيه من السهولة والدعة ما يُسَهِّلُ على الناس فهمه, ويتبينون منه قصده، وكانت مقالاته فضلًا عن هذا صورةً لحياة الأمة, فيها تحليلٌ لا غُلُوَّ فيه, ولا مبالغة1.
وقد نهج زملاؤه نهجه في الكتابة, ومضوا في طريقه لا يتعثرون، وكانت له رقابةً نافذةً على كل ما يرد إلى الصحيفة, فلا يسمح أن يتسلل إلى صفحاتها من محرريها, أو من غيرهم, ما يتنافى مع ما ينشده من الكتابة المطبوعة السهلة الواضحة, وإذ ذاك لبست الوقائع حلةً جديدةً من حسن التعبير وسداد الآراء, وامتد أسلوبها الممتع إلى كتابة دواوين الحكومة جميعها, إلى الصحف والمجلات العربية2, وانقرض السجع الذي كان هوى الكتاب, وتقلص ظل الزخرف الذي طالما تهالك الكتاب عليه, وافتنوا في استعماله, وظهر أدب المقالة بمعناه الواضح, وبدت اللغة العربية صحيحة العبارة, فصيحة التراكيب, ونَحَّى عنها ما كان يشوبها من العاميّ والدخيل, ومن يَطَّلِعُ على صفحات الوقائع في هذه الفترة يركتابها كم كانوا يجتهدون في البحث عن لفظ عربيٍّ يؤدي ما يؤديه العاميّ, وكثيرًا ما يعبرون بالعربيِّ ثم يضعون العاميَّ والدخيل بجانبة, إشارة إلى أن العربيَّ يغني غناءهما, ويقوم مقامها في الفائدة والدلالة.
وقد تحدث الأستاذ العقاد عن أثر الإمام في نهضة الوقائع, وفي تقدم الكتابة وإصلاحها, بأن سعدًا والإمام عَمِلَا على تحرير العبارات, وتقويم الأساليب, وإدخال القصد والمعاني في الألفاظ, فأفادا في هذا الباب أحسن ما يفيد كاتبان في هذا الزمان, وبدأ عهد الكتابة بالعربيةلم يسبقهما إليه سابق في هذه الديار3.