يَعْلَمُونَ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهم مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيها وَنعْمَ أجْرُ العامِلِينَ) [آل عمران: 136] .
1150 - وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: " مَنْ حَلَفَ فَقالَ في حَلِفِهِ: باللاَّتِ والعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قالَ لِصَاحِبِهِ: تَعالَ أُقامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ ".
واعلم أن مَن تكلم بحرام أو فعله، وجب عليه المبادرة إلى التوبة، ولها ثلاثة أركان: أن يقلع في الحال عن المعصية، وأن يندمَ على ما فعل، وأن يعزمَ أن لا يعود إليها أبداً، فإن تعلَّق بالمعصية حق آدمي، وجب عليه مع الثلاثة رابع، وهو ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منها، وقد تقدم بيان هذا، وإذا تابَ مِنْ ذنبٍ، فينبغي أن يتوبَ من جميع الذنوب، فلو اقتصرَ على التوبة من ذنب صحَّت توبتُه منه، وإذا تابَ من ذنب توبةً صحيحةً كما ذكرنا ثم عادَ إِلَيْهِ في وقت، أثم بالثاني، ووجب عليه التوبة منه، ولم تبطلْ توبتُه من الأوّل، هذا مذهبُ أهل السنّة، خلافاً للمعتزلة في المسألتين، وبالله التوفيق.
اعلم أن هذا البابَ مما تدعو الحاجةُ إليه لئلا يغترّ بقولٍ باطلٍ ويعوّل عليه.
واعلم أن أحكامَ الشرع الخمسة، وهي: الإِيجابُ، والندبُ، والتحريمُ، والكراهةُ، والإِباحة، لا يثبتُ شئ منها إلا بدليل، وأدلة الشرع معروفة، فما لا دليلَ عليه لا يُلتفتُ إليه، ولا يحتاج إلى جواب، لأنه ليس بحجة، ولا يُشتغل بجوابه، ومع هذا فقد تبرعَ العلماءُ في مثل هذا بذكر دليلٍ على إبطاله.
ومقصودي بهذه المقدمة أنّ ما ذكرتُ أن قائلاً كرهَه ثم قلت: ليس مكروهاً، أو هذا باطلٌ أو نحو ذلك، فلا حاجةً إلى دليل على إبطاله، وإن ذكرتُه كنتُ متبرّعاً به، وإنما عقدتُ هذا الباب لأُبيِّن الخطأَ فيه من الصواب لئلا يُغترّ بجلالة مَن يُضاف إليه هذا القول الباطل.
إعلم أني لا أُسمّي القائلين بكراهة هذه الألفاظ لئلا تسقطَ جلالتُهم ويُساء الظنّ بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلة نُقلت عنهم،