تتفق على أن الجماعة الأولى لم تترك وشأنها تستلهم غرائزها وحدها بغير مرشد ومذكر، بل تعهدتها رعاية السماء بنور الوحي من أول يوم؛ فكان أبو البشر آدم -عليه السلام- وأول الأفذاذ المخلصين، وأول المؤمنين الموحدين، وأول المتضرعين الأوابين، هكذا.
وأما الرأي الثاني: والذي يقول به علماء المسلمين، وبالأخص جمهور أهل السنة والجماعة، والعقلاء من علماء أوربا، وأن عقيدة التوحيد فطرية في النفس البشرية أن الإنسان الأول عرف الإله الواحد الأحد، وآمن به منذ البداية، وأن الشرك والوثنية أمور طارئة وعارضة، وانحراف طرأ على العقيدة، وممن يؤيد هذا الرأي من الغرب؛ "لان" و"بروكلمان" و"شريده" و"شميدس" وغيرهم.
والأدلة التي تؤكد أن الناس كانوا على التوحيد، ثم انحرفوا عنه ما قاله الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة: 213)، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (يونس: 19).
يقول الأستاذ الدكتور/ نوح الغزالي -رحمه الله-: "إنه الإعجاز القرآني دون شك يلخص القصة الإنسانية في آية واحدة في نشأتها الأولى على الإيمان الحق، وفيما طرأ عليها من أهواء البشر، ونزغات الشيطان، وهو تلخيص في نفس الآية لكل مراحل الإنسانية، وهي تتكرر فيها العودة إلى الفطرة الأصيلة عن طريق نبي