فالعقائد لا شأن لها بالتطور، والدين بدأ وحيًا من عند الله يدعو إلى التوحيد منذ بدأ الحياة، وإذا كان انحراف قد حدث عن أصل التوحيد في تاريخ البشرية فذلك على حين فترة من الرسل، وكل الذي يمكن أن يقال هنا: إنه إن كان حدث تطور أو اختلاف بين الرسالات؛ فإنما ذلك في الشرائع والأحكام التي قد تناسب أمة، ولا تناسب أخرى؛ لذلك قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48).
أما القواعد فهي واحدة، وإنما تختلف الأحكام والفروع رحمة، وشفقة بالأمم، فالصلاة مثلا والصيام كانا في الأمم السابقة، لكن طريقة الأداء، وكيفيته قد تختلف من أمة إلى أخرى، وإن بلغ كله حد الكمال والتمام في خاتمة الشرائع والرسالات التي هيمنت على السابق، ونسخت ما لا يتفق والتطور الإنساني على نحو ما قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: 106).
وكذا يقال في الرد على مذهب التطور في الأديان: لقد كان مقتضى الوضع السليم في تعرف ما كانت عليه بداية الأديان فيها قبل التاريخ أن يسترشد في مقارنتها لا بسير الفنون والصناعات، بل بسير الديانات المعروفة منذ طفولة التاريخ إلى اليوم، وإننا لا نعرف بالاستقراء أن كل واحدة من هذه الديانات بدأت بعقيدة التوحيد النقية، ثم خالطتها الشوائب والأباطيل على طول العهد.
فالأشبه أن تكون هذه سنة التطور في الديانات كلها، وهي أن تكون بدايتها خيرًا من نهايتها، ويشهد لذلك القول قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)) ومن هنا فإن الكتب السماوية