فالإنسان حسب اختياره يكون جزاؤه: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (سبأ: 33)، وهذا الاختيار بمشيئة الإنسان، وإن كانت مشيئة الإنسان لا تخرج عن مشيئة الرحمن: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (التكوير: 28، 29).

ومشيئة الله تعالى وقدره لا يعني: أن يجبر الإنسان على اختيار دين، وإلا لأجبرهم على أن يكونوا مؤمنين، فيصبحوا بذلك كالملائكة، لكن إرادة الله ليست كذلك؛ لذلك قال الله -عز وجل- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99) فنهاه الله -عز وجل- عن مجرد الإلحاح، أو المبالغة في الدعوى، ويبقى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (الشورى: 48).

لكن الهداية والضلال، وإن كان ذلك يرجع إلى مشيئة الله -عز وجل- لكن على الإنسان أن يختار فالإنسان بذلك يصبح صالحًا بعقله وعمله، ومسلكه في الحياة، لدرجات القرب من الله، ولدرجات البعد عنه أيضًا، وما كانت هداية الوحي إلا تقوية لجانب الخير فيه، وللأخذ بيده من نزعات الطغيان، والهوى إلى ما قدر له من كمال في دنياه وأخراه.

سادسًا: من أسباب انحراف الإنسان عن الدين، وتطرق الفساد إلى التوحيد: ما وقع فيه الناس من ضلال فيما يرتبط بذات الله -عز وجل- وصفاته من حيث التشبيه والتمثيل، ونحو ذلك، فنذكر من هذا وجوهًا:

الوجه الأول: التشبيه والتمثيل، أي: أنهم شبهوا الله تعالى بغيره من خلقه؛ وذلك أن أهل الملل والنحل من غير المسلمين اتخذوا وسائل لمعرفة الله -عز وجل- من الصفات الجليلة، والصلة التي بينه وبين خلقه؛ فشبهوه بأجسام مختلفة، ومثلوا صفاته في ضروب من الصور والأشكال؛ فلما طالت عليهم الآمال بقيت هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015