ما لا يستسيغه عقل، ولم يقم عليه دليل من صحيح النقل، ولكن المعنى أنهم لم ينشئوا هذه العلوم إنشاء على غير مثال سابق، كما ظنه بعضهم، بل وجدوا مادتها في الشرق فاقتبسوا منها وأفادوا كثيرًا.

وإن قدماء اليونان أنفسهم يذهبون إلى الاعتراف بهذه التلمذة إلى القول بأن عظماءهم أمثال فيثاغورس وأفلاطون مدينون بأرقى نظرياتهم إلى المدرسة المصرية، والناقدون المحدثون -وإن استبعدوا حصول نقل حرفي لهذه النظريات- لم يسعهم إلا التسليم بتبعية هؤلاء الفلاسفة في الدين والأخلاق للنظريات المصرية.

وفي حديثهم عن آثارهم ومعاركهم، وأخبارهم كانوا يتحدثون عن أسماء آلهتهم وآلهة خصومهم، ووصف القربات، والضحايا، والتوسلات التي يتوجه بها كل مظلوم أو مكروب إلى إلهه، وذكر ما يجري في زعمهم بين آلهة السماء؛ حيث تتشاور فيما بينها وحين تتنازع، وتنقسم آراؤها في الانتصار لهذا الفريق أو ذاك إلى غير ذلك.

ثم تطورت هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر حيوية في تسجيل المعالم الدينية، ولكنها كانت تتسم رواياتهم بالطابع الأسطوري والتمثيلي الذي يستمدُّه الكاتب من خياله، وأسلوب تفكيره في تعليل الحوادث والنوازل، ثم يلي هذا دور الرحلات للمؤرخين الوصافين، وهذا الدور وإن كان كسابقه لم يفرد فيها للأديان تأليف مستقل؛ حيث كان الحديث عنها يمزج بالأوصاف الإقليمية وغيرها، إلا أن الاعتماد فيه كان على المشاهدات لا على التخيلات، كما أن نطاق البحث فيه كان أوسع، فقد شمل ديانات آسيا الصغرى، ومصر، وبابل، وفارس، وما يتاخمها، وامتاز أيضًا بطابع المقارنة بين معبودات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015