السبب الثاني من أسباب الانحراف: الغلو في حب الأنبياء والصالحين: فأما عن الغلو في حب الأنبياء، كما حدث للنصارى حين بالغوا في حبهم لعيسى -عليه السلام- فادعوا أنه إله أو ابن إله، أو ثالث ثلاثة، ونحو ذلك مما جاء في كتبهم التي حرَّفوها، وما قاله الله تعالى عن اليهود أيضًا في شأن العزير فقال سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة: 30) وكذا غلوهم في أحبارهم، ورهبانهم فاتخذوهم أربابًا من دون الله {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: 31).
وقد علمت أن أول شرك وقع في الأرض كان سببه الغلو في الصالحين؛ ولذلك حذر الإسلام من الغلو في الأنبياء والصالحين، كما قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله))، وحذر الإسلام من تعظيم قبور الأنبياء والصالحين، واتخاذها مساجد والصلاة إليها وإضاءتها، وإيقاد السرج عليها، والبناء عليها، وتجصيصها والكتابة عليها، وتعليتها ورفعها، واتخاذها عيدًا، وذلك حتى لا تكون هذه الأمور ذريعة إلى الشرك الأصغر والأكبر -كما رأينا- في قوم نوح، وكما هو مشاهد إلى اليوم؛ فالغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا معبودة تستوي في ضلالتها مع عبادة الأوثان، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعلي -رضي الله عنه-: ((يا علي لا تدعن تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته)) فننظر كيف سوى النبي -عليه الصلاة والسلام- بين الوثنية، والقبور المشيدة التي يمكن أن تعبد من دون الله.