وأنتقل من وثنية اليونان إلى وثنية الرومان، أو من أديان اليونان إلى أديان الرومان، فأقول:
اعتقد الرومان -كما اعتقد اليونان من قبل- بأن كل ما يحدث في هذا العالم هو مما قضت به إرادة خالقٍ له، لكنهم لم يعتقدوا بوحدانية الخالق، بل عددوا أربابهم بتعدد مظاهر الطبيعة؛ فهناك رب ينبت البذر، وآخر يحمي الحقل، وثالث يحرث الثمار، ولكل رب اسمه وجنسه وعمله، فالأرباب قد تعددت عند الرومان، فلكل مظهر من مظاهر الحياة رب، فعندما يولد الطفل يأتيه رب يعلمه النطق، وربة تعلمه الشرب، وأخرى تقوي عظامه، وربانِ يرافقانه إلى المدرسة، وآخران يرجعان به، ولقد أتى عهد على الرومان كان يعبدون فيه تلك الآلهة من غير أن يتخذوا لها تماثيل، بل كانوا يعبدونها من غير تماثيل خالصة لكل إله، ثم اتخذوا بعد ذلك الأصنام وكانت من الخشب في بادئ الأمر، ثم اتخذوها من الرخام.
ولقد كان الرومان يؤمنون بالطيرة أو الفأل، فيذهبون إلى أن الأرباب يعرفون ويُرسلون للناس آيات يدركونها، فيستنصح الروماني الأرباب قبل أن يشرع في عملٍ، فإذا أراد الحاكم عملًا يجمع لديهم مجلسًا ينظر إلى الطيور السائرة، فإذا كانت فيها إشارة موافقة يدركون أن الأرباب استحسنت المشروع، وإلا كان معناه أنهم غير راضين عنه، ولقد كان الرومان يقدّسون الأباطرة أيضًا، ويقيمون المحاريب.
وراجع في هذا (الديانات القديمة) لأبي زهرة،