ولأن إبراهيم رحل إلى مكة بينما زرادشت لم يرحل إلى بلاد الحجاز، ولم تكن له بها صلة؛ ولأن إبراهيم تزوج من سارة وهاجر، بينما زرادشت تزوج من امرأة واحدة هي هفويه، ولأن إبراهيم -عليه السلام- ظهر في القرن السابع عشر قبل الميلاد بينما ظهر زرادشت في القرن السابع قبل الميلاد، وكل هذا يؤكد أن زرادشت شخصية حقيقية، وليس هو سيدنا إبراهيم -عليه السلام-.
وإذا ثبت هذا، فمن يكون زرادشت؟
ولد زرادشت في مدينة أذربيجان الواقعة غربي بحر القزوين في منتصف القرن السابع قبل الميلاد، ويروى أن أباه كان يرعى ماشيته ذات يوم إذ تراءى له شبحان نورانيان، اقتربا منه وقد ناله وقدما له غصنًا مقدسًا، وأمراه أن يحمل الغصن ويقدّمه لزوجته؛ لأنه يحمل في كيانه الطفل الروحاني، وصدع أبوه بالأمر، فحملت زوجته لليلته، وبعد خمسة شهور من الحمل أتت لأمه البشارات المتتالية، وعندما ولد لم يبكِ كسائر الأطفال، وإنما فَهِق بصوتٍ عالٍ اهتزت له أركان البيت، وهربت الأرواح الشريرة، وارتعد كبير السحرة فرقًا؛ لأنه يعلم أن هذا الوليد سيقدر على السحرة والكهان ويخرجهم من البلاد.
وقد تعرض زرادشت لمحاولات متعددة من السحرة لقتله بأن ألقي في طريق قطيع كبير من الماشية لتدوسه، لكن بقرةً أسرعت نحو الطفل ووقفت فوقه تحرسه حتى مر القطيع، وألقي في وكرَ الذئاب لتأكله أو ليموت جوعًا لكن الذئاب تسمّرت وأقبلت عنزتان، ودخلتا الوكر معه لترضعاه، ولما بلغ زرادشت السابعة من عمره أرسله أبوه إلى حكماء الفرس؛ ليتعلم منهم، ويتلقى الحكمة، واستمرت هذه الفترة ثمانية أعوام تزوج خلالها، وعاشق مهنة خدمة المرضى وعلاجهم،