هؤلاء العلماء إلى اهتمام الرسالة الإلهية بهذا الجانب، وتأثر العامة بها، مما جعل التحريف يعجز عن تغيير هذا الجانب الذي امتثله الناس في حياتهم، كما أن ظهور علماء مخلصين يزكون الأخلاق، ويدعون إليها، ساعد على استمرارية السمو الأخلاقي حتى اشتهرت الصين بين الأمم جميعًا بسمو الأخلاق نظريًّا وعمليًّا. ويبدو أن النظريات أسرع في النسيان من الأعمال؛ لأن الأعمال المكررة تتحول إلى عادة وتقليد، وقد تنسى فلسفتها وتبقَى صورتها، وهذا ما جعل الصينيين أصحابَ ذوق خاص، وسلوك منظم بعد ظهور الاشتراكية وإعلان الشيوعية مذهبًا تسير عليه الصين، برغم ما في الشيوعية من تعسف وإذلال.
وهكذا، ألغِيَ الدين من نظامهم، ولكنهم حافظوا على تقاليدهم الأخلاقية وعاداتهم النبيلة.
الرأي الثالث: يرى أصحاب هذا الرأي ما رآه أصحاب الرأي الثاني، ويزيدون عليه القول: بأن "كنفشيوس" كان هو الرسول المبعوث من الله تعالى إلى الصينيين، مستدلين بسمو دعوته وأصالة مبادئه، ويذكرون أن هذا المستوى الممتاز في تعاليم هذا الحكيم الصيني يرجع سببها إلى منبعها الإلهي الذي هو أصلها ومصدره.
وبهذا يكون الرأي الثالث متفقًا مع الرأي الثاني إلى حد بعيد، حيث يشتركان في إرجاع الدين وأديان الصين إلى أصول رسالة سماوية، وهذا يستتبع بالضرورة إغفال فكرة التطور الديني، وعدم التسليم بقدرة العقل للوصول وحده إلى عقيدة التوحيد الخالص.