ورأى البيروني في كتابه (تحقيق ما للهند من مقولة) رأي البيروني هذا نشأ من مخالطته للهنود، الأمر الذي يعطي رأيه قوة خاصة، والبيروني نفسه يورد الشواهد على هذا من كتب الهندوس ذاتها، فيذكر ما جاء في أحد كتبهم المعروف بـ"باتِنْجل" على صورة حوار بين سائل ومجيب. قال السائل: من هذا المعبود الذي يُنال التوفيق بعبادته؟ قال المجيب: هو المستغني بأزليته ووحدانيته عن فعل لمكافأة عليه تؤمل وترتجى، أو شدة تخاف وتتقى، والبريء عن الأفكار لتعاليمه عن الأضداد المكروهة والأنداد المحبوبة، والعالم بذاته سرمدًا إذ العلم الطارئ يكون لما لم يكن بمعلوم، وليس الجهل بمتجه عليه في وقت ما أو حال.

ويمضي الكتاب بأسلوب الحوار مثبتًا لله كل الصفات اللائقة بالوحدانية الخالصة، كالعلم والكلام والعلو التام في القدر والغنى الجواد. ومن الكتب المقدسة التي بيناها نجد تصويرًا لهذا التوحيد، ففي الكتاب السابع من الرجفيدا جاء هذا النشيد: الحكماء هم الأجيال في طريق العظمة عنه الذي جعل العاملين الواسعين مشطورين، ودفع عقد السماء للعظمة والارتفاع، كذلك كوكب النهار وبسط الأرض عريضًا، ومع نفسي بذاتها تأملت هذا السؤال: متى أكون مع فارونًا متحدًا -فارونًا أي الإله الأكبر- أية موهبة عندي سيتمتع بها بغير سخط، متى بقلب سعيد أحظى برحمته، يا فارونا ما هو ذنبي الأساسي، أهو القضاء على صديق يتغنى بمدائحك. خبرني فالله غير خداع وذو سلطان وبلا أخطاء، هل أسترضيك إذًا بالتسبيح، اجعلني كعبد حينما يجعل مرة بلا ذنوب، أعبد الرحمن قبل زمن الغضب، صاغ الإله النبيل الغني مفكرًا، يسرع بالحكماء إلى الثراء إنه الحكيم، أرجو بنشيدي يا فارونا الحاكم القهار أن اقترب منك، وأجعل قلبك راضيًا، أرجو أن تحسن إلينا في الراحة والعمل فخصنا دائمًا بنعمائك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015