فهذه النصوص جميعًا تبين بجلاء أن الذي سيحاسب الناس ويجازيهم إنما هو المسيح في نظرهم، فتعجب وكفى بهذا تناقضًا وكفى بالباطل عرضه، وقد عرضنا لعقيدة النصارى في عناصرها الأساسية، بحمد الله تعالى. إن العقل لا يصدق تجسد الإله، وإن كان أن يتحول رب العالمين إلى شخص يأكل ويشرب ويأتي بلازم ذلك، كما أن العقل لا يصدق أيضًا أن البشر جميعًا أرباب خطايا وأصحاب مفاسد، وأنهم محتاجون لمن ينتحر من أجلهم كي تغفر خطاياهم، وكذلك رفض الإسلام كلتا القضيتين، لكن يصر النصارى بتعصب أعمى على أن هذا هو الحق وما دونه ضلال.
وما أجمل ما قال الشاعر الحكيم:
أعباد المسيح لنا سؤال ... نريد جوابه ممن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم ... أماتوه فما هذا الإله
وهل أرضاه ما نالوه منه ... فبشراهم إذا نالوا رضاه
وإن سخط الذي فعلوه فيه ... فقوتهم إذًا أوهت قواه
وهل بقي الوجود بلا إله ... سميع يستجيب لمن دعاه
وهل خلت الطباق السبع لما ... ثوي تحت التراب وقد علاه
وهل خلت العوالم من إله ... يدبرها وقد سمرت يداه
وكيف تخلت الأملاك عنه ... بنصرهم وقد سمعوا بكاه
وكيف أطاقت الخشبات حمل ... الإله الحق شد على قفاه
وكيف دنا الحديد إليه ... حتى يخالطه ويلحقه أذاه
وكيف تمكنت أيدي عداه ... وطالت حيث قد صفعوا قفاه
وهل عاد المسيح إلى حياة ... أم المحيي له رب سواه