وإذا كان الصلب لفداء الخطايا، فهل هذا الفداء يتناول صنيع الشرور والآثام والمظالم أم يتجاوزهم، أم هو لتصبر الضحايا على ما ينزل بها، أرأيت لو أن رجلًا له سبعة أولاد، ستة منهم مجرمون عاقون عاصون، والسابع منهم مطيع مؤدب مهذب، فأراد هذا الوالد أن يسامح أبناءه المجرمين وأن يغفر لهم، فأعلن لأولاده إذا أردتم عفوي ومغفرتي فاقتلوا أخاكم المطيع أكفر خطاياكم، فماذا تقول عن هذا الأب؟
والإجابة التي تتفق عليها الكلمة: إنه أب مجنون، فما زاد هذا الأب عن رب النصارى الذي اطلع على عباده، فرآهم مذنبين، فلما أراد أن يكفر خطاياهم أنزل ابنه، وأمر بصلبه ليكفر عن خطايا البشر، كيف يكون إلهًا من يأمر بذبح ابنه البار من أجل تكفير خطايا المذنبين، كما أنني أتساءل: لو أنني لبست ثوبًا أبيض ثم وقعت عليه نقطة حبر، أتزول إذا غسلت ثوبك وكل الأثواب؟ والإجابة لا. قلت: فلم يزول خطأ إذا اعتذر عنه آخر، عندما ألوث نفسي بخطأ دق أو جل، فأنا المسئول عنه أغسل أنا نفسي منه، وأشعر أنا بالندم عليه وأقوم أنا من عثرتي إذا وقعت.
ثم أعود أنا إلى الله لأعترف له بسوء تصرفي وأطلب منه الصفح، أما أن العالم يخطئ فيقتل الله ابنه كفارة للخطأ الواقع، فهذا ما يضرب الإنسان كفًا بكف لتصوره، لماذا يقتل الله ابنه الوحيد البريء من أجل ذنوب الآخرين، إذا كان هذا الإله رب أسرة كبيرة، فلِمَ يقتل أبناءه كلهم أو جلهم من غير جريرة، أليس الأعقل والأعدل أن يقول هذا الإله للمذنبين: تتطهروا من أخطائكم وتوبوا إلي أقبلكم، فلا يكون هناك قتل ولا صلب ولا لف ولا دوران، أليس كل إنسان مسئولًا عن نفسه {أن لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم: 38، 39).