وجاء في إنجيل متى ومرقص ولوقا أن عالمًا من علماء بني إسرائيل سأل المسيح عن الوصية العظمى في التوراة فأجابه بقوله: "الرب إلهنا رب واحد" يقول مرقص: فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون؛ فلما رأى أنه أجابهم حسنًا سأله: أية وصية هي أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي: "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد".
وعلى ذلك سار عيسى -عليه السلام- ومن كان معه، وكان -عليه السلام- يزيل تشدد علماء بني إسرائيل، ويصحح لهم تفسير ما اختلفوا فيه، وانطلق أتباع عيسى -عليه السلام- بدعوته؛ حتى كانت دعوة بولس المشئومة، والتي غير فيها وبدل؛ كما ستعلم ذلك في موضعه -إن شاء الله تعالى.
والخلاصة: أن التوراة مصدر أساسي عند النصارى، وما ذكرناه عن التوراة في الكلام عن اليهود يذكر هنا، غير أنه يقال هناك بعض الأسفار المعتبرة عند اليهود مرفوضة عند المسيحيين -مثل سفر إستير- لعدم اعتقادهم صحة الوحي فيها.
أقول: فكل ما ذكر في التوراة عن الله -عز وجل- يقال في عقيدة النصارى: أنهم لم يعتقدوا نسخه، ولا ذكروا كذبه، ولا قالوا ببطلانه؛ فهي عقيدتهم إذن في الله -جل وعلا- مضافًا إليها ما قالوه بأن الله -سبحانه وتعالى- تنزل من عليائه وحل في مريم، وتربى في بطنها جنينًا وتغذى من دم حيضها، ثم نزل من رحمها؛ فتغذى من ثديها، ثم تربى على حجرها؛ حتى كبر وصار فتى يافعًا بعد أن كان طفلًا ثم شابًّا قويًّا؛ فلما بلغ مبلغ الرجال، وقام بواجب دعوته كذبه اليهود وآذوه واضطهدوه، وفي نهاية الأمر أمسكوه ووضعوا الشوك على رأسه، وبصقوا في وجهه ولكموه، ثم حكموا عليه وصلبوه {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (الكهف: 5).