وحكمه وساسه، ودبره وقهره وحاسبه، وقضى في شأنه، وجزاه وكافأه، فيدور معنى الدين هنا على معنى الملك والتصرف، والذي منه الآية الكريمة {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة: 4).
وكذا اسم الله تعالى الدَّيَّان أي: الحكم والقاضي، ومنه الحديث: ((الكيس من دان نفسه)) أي: حكمها وضبطها، وتارة تكون من فعل متعدٍّ باللام دان له، فتكون بمعنى أطاعه، وخضع له؛ فالدين هنا هو الخضوع والطاعة، وكذا العبادة والورع، وكلمة الدين لله يصح أن يُفهم منها كلا المعنيين الحكم لله أو الخضوع لله، وواضح أن هذا المعنى الثاني ملازم للأول، ومطاوع له، دانه فدان له، أي: قهره على الطاعة فخضع وأطاع.
وتارة تأتي من فعل متعدٍّ للباء دان به، فيكون معناه: أنه اتخذه دينًا ومذهبًا أي: اعتقده أو اعتاده، أو تخلق به، فالدين على هذا المعنى هو المذهب والطريقة التي يسير عليها المرء نظريًّا أو عمليًّا، فالمذهب العملي لكل امرئ هو عادته وسيرته، كما يقال: هذا ديني، وديدني، والمذهب النظري عنده هو عقيدته ورأيه الذي يعتنقه، ومن ذلك قولهم دينت الرجل أي: وكلته إلى دينه، ولم أعترض عليه فيما يراه سائغًا في اعتقاده.
ولا يخفى أن هذا الاستعمال الثالث تابع أيضًا للاستعمالين قبله؛ لأن العادة أو العقيدة التي يُدان بها لها من السلطان على صاحبها ما يجعله ينقاد لها، ويلتزم اتباعها، وجملة القول في هذه المعاني اللغوية أن كلمة الدين عند العرب تُشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له، فإذا وُصف بها الطرف الأول كانت خضوعًا وانقيادًا، وإذا وصف بها الطرف الثاني كانت أمرًا وسلطانًا،