ولكنها من جانب آخر أغرقت أوربا في حمأة المنازعات والحروب الدينية التي عوقت حركة اكتشاف الأقاليم، ونشر المسيحية فيها، ولذلك بقي البروتستانت قرنين من الزمان لا يساهمون في هذه البعوث، وكان الكاثوليك من أسبان، وبرتغال، وفرنسيين، وهم القائمين إذ ذاك وحدهم بأعبائها، ثم تتابع الرحالون من الفريقين، وازدادت عنايتهم بالأقطار الجديدة في آسيا، والأيفانوسية، وأمريكا، ومجاهل أفريقيا حتى كان آخر القرن الثامن عشر، وهو الوقت الذي نشطت فيه حركة التأليف في وصف عقائد هؤلاء الأقوام، وعوائدهم، فهناك اشرأبت العقول إلى السؤال عما كانت عليه ديانة الإنسان الأول، وبذلت محاولات لتحديدها في ضوء المقايسة على ديانات هؤلاء البدائيين، كما بذلت محاولات لاستنباط الطريق الذي سارت فيه الديانات منذ نشأة الإنسان إلى اليوم، ومعرفة أسلوب تطورها، أو تولد بعضها عن بعض، ومنذ ذلك اليوم أصبح علم الأديان ذا شعبتين اثنتين: شعبة جديدة مبتكرة، وشعبة قديمة نالها شيء من التجديد.
أما الشعبة القديمة المجددة فهي تلك الدراسات الوصفية التحليلية الخاصة بملة ملة، وهي التي يمكن أن تعرفنا نشأة ديانة ما، وحياة مؤسسها، ومقومات عقائدها وعباداتها، وأسباب انتشارها، وألوان تطورها إلى غير ذلك من المعاني التي ما فتئت مجالًا لحديث الناس منذ اختلفت مذاهبهم، وهذه الشعبة هي المشهورة باسم تاريخ الأديان، ولو أنصفت التسمية لكانت تواريخ الأديان.
والتجديد الذي لحقها في العصور الحديثة يمكن تلخيصه: أنها توسعت في مادتها ووسائلها جميعًا، فهي بعد أن كانت منحصرة فيما بين البحرين الأبيض والأحمر، أعني: ملتقى القارات الثلاث، اتسعت الآن بقعتها حتى انتظمت