مدة طويلة من تردده. وإذا حضرت وفاة الإنسان الأثيم، المستعلي عليه الحرص والشهوة، حضرته الشياطين فأخذوه وعذبوه وأروه الأهوال، وهنا يحضر أولئك الآلهة ومعهم ذلك اللباس، فيظن ذلك الإنسان الأثيم أنهم قد جاءوا لخلاصه، والواقع أنهم حضروا لتوبيخه وتذكيره أفعاله، وإلزامه الحجة في ترك إعانته الصديقين، ولا يزال يتردد في العالم في العذاب إلى وقت العاقبة فيلقى في جهنم. وبذلك يكون هناك ثلاثة طرق، لتقسيم نسمات الناس؛ أحدها إلى الجنان وهم الصديقون، والثاني إلى العالم والأهوال ومحافظة الدين ومعين الصديقين، والثالث إلى جهنم وهو الإنسان الأثيم.
ومن تعاليم المانوية في أمر المعاد أيضا: أن الإنسان القديم يأتي من عالم الجدي، والبشير من المشرق، والبناء الكبير من اليمن، وروح الحياة من عالم المغرب، فيقفون على البنيان العظيم، الذي هو الجنة الجديدة مطيفين بتلك الجحيم، وهنا ينظرون إليها، وبعد ذلك يأتي الصديقون من الجنان إلى ذلك النور، فيجلسون فيه ويتعجلون إلى مجمع الآلهة، فيقومون حول تلك الجحيم، ويقع نظرهم على عملة الإثم، متقلبين ومترددين ومتضورين في تلك الجحيم، وإن تلك الجحيم لا قدرة لها على الإضرار بالصديقين، فإذا نظر أولئك الآثمون إلى الصديقين، يسألونهم ويتضرعون إليهم فلا يجيبونهم، إلا بما لا منفعة لهم فيه من التوبيخ، وبذلك يزداد الأثمة ندامة وغما وهما، وهذه صورتهم أبد الأبد وهو أيضا جزاؤهم.
لعلنا بذلك نكون إن شاء الله تعالى، قد ذكرنا المقارنة بين عقائد المانوية والزرادشتية، في الله والنفس والمصير، وإن كان كل ما قالته المانوية أو الزرادشتية، لا يعدو إلا أن يكون تخريفا وتحريفا، وأنه من الضلال بمكان ومن الشرك والكفر بمكان، ونحن نحمد الله جل وعلا على نعمة الإسلام، كما نحمده سبحانه وتعالى على نعمة التوحيد، وعلى نعمة وضوح هذا الدين وسهولته، نحمده سبحانه وتعالى على نعمة القرآن ويسريته، وعلى نعمة السنة وعظمتها وبيانها وتفصيلها وشموليتها، ونحمد الله جل وعلا على أن جعلنا من أهل السنة