عيسى -عليه السلام- ولذلك كان اختراعهما للدين عبارة عن مزج للفكر البشري، وإدخاله في ثنايا فكر ديني صحيح.
يقول الشهرستاني: "إن الحكيم ماني زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة، وأنهما أزليان لم يزالا قويين حساسين دراكين سميعين بصيرين، وهما مع ذلك في النفس والصورة والفعل والتدبير متضادان وفي الخير متحاذيان تحاذي الظل للشخص أو تحاذي الشخص والظل، وفي رأي ماني أن ما في العالم من منفعة وخير وبركة فمن أجناس النور وما فيه من مضرة وشر وفساد فمن أجناس الظلمة، وهذان القديمان النور والظلمة يمتزجان ويفترقان وفق فلسفة معينة عند ماني".
ويرجع سبب الامتزاج إلى أن الظلمة قد تشاغلت عن روحها بعض التشاغل، فنظرت الروح فرأت النور قد بدا فمازجته فرأى ملك النور ذلك فبعث خمسة أجناس نورانية امتزجت بخمسة ظلامية، وبذلك خالط الدخان الهواء والحريق النار والنور والظلام والسموم الريح والضباب الماء، ولما ظهر هذا الامتزاج لملك النور خلق العالم كله على هيئة الامتزاج مستعدا لتخلص كل عنصر من غيره، وبذلك يحدث الخلاص التام في يوم القيامة والميعاد.
وحديث ماني عن ملك النور وملك الظلمة يعتبرهما إلهين؛ لأن كلا منهما محيط بعالمه ظاهر وباطن قديم لا أول له ولا آخر له ولا نهاية له، وقد تضمنت دعوة ماني تكاليف معينة كتأدية أربع صلوات في اليوم وإخراج العشر من الأموال، وترك القتل والعدوان والبعد عن السرقة والزنا وهجر عبادة الأوثان والكذب والسحر، كما تتضمن الدعوة إلى الحق والتمسك بالأخلاق الفاضلة، ويعترف ماني برسالة عدد من الرسل منهم عيسى -عليه السلام- وينكر رسالة موسى -عليه السلام.