إدخال العلمانية التي كانت ستؤدي بشكل تدريجي إلى الاندماج بين طائفتي الكهنة المتنازعتين في الإمبراطورية، وكان هذا الاندماج هو العامل الحاسم في تأسيس الديانة الزرادشتية الرسمية، وكان طائفة الكهنوت هما المجوسية ومقرها الرئيسي في شيز في ميديا الدنيا لمجيلان المساوي للعراق العجمي، حاضرته همزان، والهرباد في إقليم فارس، وقد أحرزت طائفة كهنة المجوس المكان القيادي، وأحدثت في الفترة الساسانية لممارسة أفرادها دور محاكم التفتيش ضد المسيحية والمانوية والبوذية، وبقية الأقليات الدينية الأخرى، وجلب تأسيس الديانة الزرادشتية معه بشكل فعال ادَّعى عدد من الكتابات الدينية المقدسة، والتشاريع مثل الأوفستاك أو الأوفيستا.
هذا؛ وليس هناك أدنى شك في أن ممثلي العقيدة الإيرانية القديمة قد ابتغوا من وراء إقامة العقيدة الرسمية وإيجاد الشريعة فرض التوقف على نشاط العقائد الجديدة، أي: على المسيحية والمانوية، ولا شك أن تدوين التراث الديني المقدس القديم، وإظهاره يدلان بالفعل على ثورة هائلة في الحياة الدينية والثقافية من ميلاد إيران، وتصنيف الأوفستا يقدمه كرتير المنافس متعمد لكتب ماني العقائدية، وعليه كانت الزرادشتية في حوالي منتصف القرن الثالث من الميلاد في موقف الدفاع عن كيانها، وتعزيز مواقعها، أما بالنسبة لماني فقد طوَّر الآن من جانبه تشريع منظمًا بشكل رائع، أعده بحذر وعناية، وامتدت نشاطاته التبشيرية وفق خطة مفصلة نحو الشرق والغرب، وتولى بنفسه القيام برحلات جديدة إلى أجزاء مختلفة من الإمبراطورية حين قال: أمضيت عدة سنوات في فارس، بلاد الفرثيين شمالًا حتى أديابيين، وفي الأقاليم المجاورة لإمبراطورية الرومان.