ولهذا السبب كانت المانوية في وضع مناسب أكثر إشراقًا من أي دين آخر بين العالمين الدينيين المتنافسين، الروحيين العظيمين، والمعني بهذا عالم اللاهوت المسيحي والإيراني؛ كي يندمجا في كيان توحيدي أعلا يوضع تحت تصرف السكان الأصليين لبلاد النهرين بدرجة متساوية، هؤلاء السكان ذوي النتاج الغنطوسي المنبعث من عقائد البابلية الآشورية التلقيدية الموروثة، ولا شك أن هذا كله قد أنبأ عن توفر إمكانات فرص هامة، ولقد امتلك ماني ناصريين حاميين قويين جدًّا في بلاط الملك العظيم تمثلا في أخويه شابور فيروز ومهرشتان؛ إذ كان قد كسبهما إلى دينه وحولهما إليه، هذا من جانب.
ومن جانب مقابل كان لعدوه كرتير أصدقاء أقوياء جدًّا في ظل حكم خلفاء شابور، وذلك على الرغم من أننا لا نعرف من الذي أيده خلال فترة حكم شابور، هذا، وبإمكاننا أن نستخلص اعتمادًا على ما نعرفه عن الفئات والتجمعات التي ازدهر نشاطها في البلاط أن كلًّا من طائفة الرهبان المجوس ورهبان الديانة الزرادشتية وقائدهم كرتير لم يكونوا في عوز للقوة، فقد توفرت تحت تصرفهم كيفما رغبوا، ومهما يكن الحال فقد قوي الوضع القائم، وتمتنُّ خلال الثلاثين سنة التي حكم فيها شابور؛ علمًا بأن الأمور بدت كما لو أن الفرص كلها كانت مهيَّأة أمام المانوية لتصبح الديانية الرسمية للإمبراطورية الساسانية، غير أنها لم تصبح الديانة الرسمية كما طمح ماني وتمنى، ولا نعرف الاعتبارات التي عاقت شابور عن الإقدام على اتخاذ خطوة كهذه، لكننا نستطيع بكل ثقة أن نقدر حق القدر قوة التقاليد المحافظة التي ورثها من أسلافه كهنة معابد النار الزرادشتية في إصطخر، ففي نقشه الكبير يبزغ شابور من وسط الوصايا والتقاليد الموضوعة للطقوس المحيطة بأسرته، كأمير زرادشتي تقليدي أي: زرادشتي بالمعنى التوفيقي المقبول للكلمة في أيامه.
لقد كان هذا هو موقفه الرسمي، ومن الجائز لنا أن نفترض أن ميوله الذاتية، ومشاركاته الوجدانية كانت مع ماني، فبدون ذلك يصعب تفسير مواقفه المتعاونة معه، وتيسير الحماية والخدمات له، ومع ذلك فقد كان هذا هو الوقت الذي شهد