لقد فرض على فتق الإلتزام ببعض مظاهر الزهد والتقشف، وهي الامتناع عن تناول اللحوم، وعن شرب الخمر، وعن مباشرة النساء، والمندعية كما هو معلوم ليست من حيث المبدأ عقيدة تقشف، ولكن يلاحظ ان الكتابات المندعية تُردد في أماكن مختلفة مواعظ ضد الجشع والسكر والشبق، وهناك تحذير خاص ضد استهلاك الخمر الذي يؤدي إلى الفسوق؛ لذلك من الواضح أنه كان لدى المندعية نزعة شديدة نحو الأخذ بمنهج حياتي متقشف وعفيف، وفي هذا الوسط وضمن هذه الظروف ترعرع ماني، ولذلك فإن استنتاجنا هو الاستنتاج نفسه الذي توصل إليه البحث الحديث، والذي يقول: نشأ ماني في جنوبي بلاد بابل في وسط طائفة غنطوسية معمدانية، هي بلا شك الطائفة المندعية، وهناك تلقى بوضوح مؤثرات كانت حاسمة بالنسبة لمستقبله.

ولما تم لماني اثنتي عشرة سنة أتاه الوحي للمرة الأولى، يذكرنا هذا بيسوع البالغ من العمر اثني عشر عامًا في الهيكل، وكان هذا سنة مائتين وثمانية وعشرين، ومائتين وتسع وعشرين ويروي الفارس بأن الوحي أتاه من ملك جنان النور، والمقصود بملك جنان النور في المصطلح العربي المانوي هو الله رب الأرباب، وقام كائن سماوي بنقل الوحي إلى ماني، وهو ملاك يسميه النص العربي التم، وهي عبارة مأخوذة من الكلمة السريانية توما أي: التوأم وتتوافق هذه العبارة مع كلمة سايسا، سايس القبطية الواردة في المدونات المانوية المصرية، وكان محتوى رسالة الرسول السماوي لماني: اعتزل هذه الملة فلست من أهلها، وعليك بالنزاهة وترك الشهوات، ولم يأن لك أن تظهر لحداثة سنك، وبناء على ذلك هجر ماني الطائفة المعمدانية، التي كان قد التحق بها ولازمها حتى تيك الساعة، تمشيًا مع إرادة والده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015