البقول، فلا تروننا، وليس أحد من هؤلاء إلا وله حميم منه، ففعلوا فمضوا ألئك على منهاج عيسى، وخالف قوم من بعدهم ممن قد غيَّر الكتاب فقالوا: نسيح، ونتعبد كما تعبد أولئك، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان من تقدم من الذين اقتدوا بهم، فذلك قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} ي قول: ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها المتأخرون {حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُم ْ} يعني: الذين ابتدعوها أولًا، ورعوها، {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}، يعني المتأخرين فلما بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- ولم يبق منهم إلا قليل جاءوا من الكهوف والصوامع، والغيران، فآمنوا بمحمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم".
وبمثل هذا قال الإمام ابن كثير في الآية: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}، قال: أي ابتدعها أمة النصارى، {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}، أي: ما شرعناها لهم وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم، وقوله: {إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} فيه قولان: أحدهما: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك، وإنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، وقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام، وهو ذم لهم من وجهين:
أحدهما: الابتداع في دين الله، ما لم يأمر به الله، والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه بما زعموا أنه قربة، يقربهم إلى الله عز وجل. إلى آخر ما قال.
وكذا قال الألوسي والفخر الرازي، وآخرون.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.