ملوكهم غيروا وبدلوا، وبقي نفر قليل، فترهبنوا وتبتلوا، فإن الضحاك قال: "إن ملوكًا بعد عيسى ارتكبوا المحارم ثلاثمائة سنة، فأنكرها عليهم ما كان بقي على منهاج عيسى فقتلوه، فقال قوم بقوا بعده: نحن إذا نهيناهم قتلونا، فليس يسعنا المقام بينهم، فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع".
وقوله تعالى: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} (الحديد: 27) أي: ما فرضناها عليهم، معناه: لم نكتب عليهم شيئًا البتة، ويكون {ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} (الحديد: 27) بدلًا من الهاء والألف في كتبناها، والمعنى: ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، وقيل: إلا ابتغاء الاستثناء منقطع، والتقدير: ما كتبناها عليهم، لكن ابتدعوها هم ابتغاء رضوان الله.
فقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (الحديد: 27) أي: فما قاموا بها حق القيام، وهذا خصوص؛ لأن الذين لم يرعوها بعض القوم، وإنما تسببوا بالترهيب إلى طلب الرياسة على الناس وأكل أموالهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: 34).
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}، قال: "كانت ملوك بعد عيسى بدَّلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل، ويدعون إلى دين الله تعالى، فقال أناس لملكهم: لو قتلت هذه الطائفة. فقال المؤمنون: نحن نكفيكم أنفسنا، فطائفة قالت: ابنوا لنا اسطوانة ارفعونا فيها، وأعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا، ولا نرد عليكم، وقالت طائفة: دعونا نهيم في الأرض ونسيح، ونشرب كما تشرب الوحوش في البرية، فإذا قدرتم علينا فاقتلونا، وطائفة قالت: ابنوا لنا دورًا في الفيافي ونحتفر الآبار، ونحترث