يقول: إن الحق لا يعرف بالنظريات بل بالسير في طريقه، وعلى هذا لم يعنَ بوذا بالحديث عن الإله، ولم يشغل نفسه بالكلام عنه إثباتًا أو إنكارًا، وتحاشا كل ما يتصل بالبحوث اللاهوتية وما وراء الطبيعة، أو عن القضايا الدقيقة في الكون؛ إذ كان يرى أن خلاص الإنسان متوقف عليه هو لا على الإله.

ويرى أن الإنسان صانع مصيره، ومن كلماته في ذلك كونوا لأنفسكم جزائر قائمة لنفسها، وكونوا لأنفسكم موائل وكهوفًا، ولا تعتصموا بملاذ خارجي ولا تحتموا بغير أنفسكم، وكان ينهى أصحابه، وزواره أن يخوضوا في هذه الأبحاث، ويوبخهم على سؤالهم عن قضايا دقيقة مجردة، ويأمرهم بالخوض في أعمالهم، ودواعيها وميولهم، وعواطفها، وعواملها، وقد سأله أحد مريديه مرة، هل الذات موجودة، فسكت فسأله هل الذات ليست موجودة؛ فظل ساكتًا فسأله، هل هذا الكون دائمًا أم غير دائم.

وأخيرًا قال بوذا لهذا المريد: هل قلت لك: جئني أعلمك عن الذات، وعن الكون لا لم أقل: هذا أيها المريدون لا تفكروا، كما يفكر الناس، بل فكروا هكذا هذا ألم هذا مصدر الألم هذا إعدام الألم، هذا سبيل إعدام الألم، ولكن بوذا اتجه أحيانًا إلى جانب الإنكار أكثر من اتجاهه إلى جانب الإثبات فقد وقف في إحدى خطبه يسخر ممن يقولون بوجود الإله.

وكان مما قاله في ذلك: إن المشايخ الذين يتكلمون عن الله، وهم لم يروه وجهًا لوجه كالعاشق الذي يذوب كمدًا، وهو لا يعرف من هي حبيبته، أو كالذي يبني السلم، وهو لا يدري أين يوجد القصر، أو كالذي يريد أن يعبر نهرا فينادي الشاطئ الآخر ليقدم له. وسنعود إلى هذا التفكير بالنقد فيما بعد إن شاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015