أخيرًا متى وكيف يتم ذلك؟ هذا يتوقف علينا نحن، كل محرك سافل يجب أن نقهره، كل إرادة مهينة نضبطها، كل ضعف معيب نتغلب عليه، ولكن ليس معنى هذا أن نغمض عيوننا عما يعانيه البشر من فقرٍ وشقاءٍ، زاعمين أنهم استحقوه بما جنته نفوسهم، إذ كل من يفكر هكذا، لا يتمسك بالإخوة العامة، والمحبة الشاملة مع سائر الخلق.

فلا شك أن ناموس الطبيعة يعاقبه أشد العقاب؛ لأنه خارج عليه لعدم بذله الجهد الذي يسبب العفو والمرحمة، هذا وإن ناموس الطبيعة ليس بخاضع لذات قدسي يتصرف فيه كيفما شاء، بل ذلك الناموس مستقل بذاته نافذ بنفسه لا يتأثر بمؤثر بشري أو إلهي أبدًا.

ب) في التناسخ: الإنسان مركب جسدي، يملك قوى يتحرك بها، وآلات يشعر بها فهو يحس، ويلمس، ويبصر، ويسمع، ويشم، ويدرك، وهو بهذه الحواس، والمشاعر يتصل بالعالم الخارجي، أما طبعه فيشتمل على النزعات، والكفاءات المنتجة من الماضي، فهي حسنة كانت أو قبيحة إرث له من الحياة التي عاشها في الماضي، وهي التي تكيف شخصيته التي تبدأ بها حياته جديدة، وذلك أن الحياة الداخلية للشخص ليست إلا سلسلة من الخيالات والرغبات والعواطف، فإذا انفصلت الأواصر المادية بالموت تقمصت قوى المادة الأولية جسدًا جديدًا.

ولا تزال هذه القوى متوافرة إن لم ماديًّا فنفسيًّا، فيسعد الشخص الجديد، أو يشقى حسبما تهيأ له من السلوك السابق، العناصر التي تشكل شخصًا جديدًا لا تزال في تبدل مستمر، ولكنها لا تتلاشى كلية حتى تفنى تلك القوة التي تتمسك بها، وتدفعها إلى الميلاد الجديد، وليست تلك القوة إلا الرغبة في الوجود المنفرد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015