ومن قراءة (كيتا) يلاحظ اهتمام هذا الكتاب لا بالجانب القصصي أو الخرافي الذي لاحظناه في النموذج السابق، بل بالجانب الفلسفي والاجتماعي، و (كيتا) لهذا يعتبر من الروافد التي قدمت إلى مهابهارتا أروع التعاليم وأرقى الثقافات، ومنه استمد ت تعاليم كثير ة رأيناها في دراستنا السابقة، والكتاب يقدم لنا صورة الهيئة الاجتماعية الهندية في ذلك العصر فنعلم منه ما كان عليه الشعب من المعتقدات الدينية والعادات الاجتماعية والأفكار الفلسفية، وو جهة نظره العامة في الحياة وما بعد الممات، وهو يخبرنا أن الناس ضلوا عن سواء السبيل، ووقعوا فريسة للتقاليد والأوهام فتركوا لب الدين وتمسكوا بقشوره، وكانوا يتشدقون بألفاظ ويدا ويعملون بظواهرها فيقيمون الطقوس والعبادات الرسمية وهم مع اعتقادهم بوحدة الله يعبدون آلهة آخرى، وليس هذا فحسب بل يعبدون أسلافهم، وكذلك يعبدون العفاريت، ويتطيرون ويعتقدون في الفعل.
وبجانب هؤلاء وعلى العكس منهم يوجد أناس ينعون على متبع الظواهر اتجاههم، ولكن هؤلاء غلو كذلك في مذهبه م فأنكروا العبادات والظواهر على الإطلاق زاعمين أنها قشور، وكان أكثر هؤلاء وأولئك مقلدين جامدين، ويوجد أناس آخرون يرون في الرهبانية والتجرد من الدنيا النجاة فيهجرون الكسب ويعيشون عالة على الناس.
وكان " أورجنا " زعيم أحد الحزبين المتحاربين متأثرا بأحوال بيئته مؤمنا بمعتقدات عصره وخ ادعا للأفكار الشائعة، فلما اصطفت الصفوف ودقت الطبول وآن أوان القتال تلجلج في مباشرته، وجرى بينه وبين " كريشنا " حوار ف وعظه " كريشنا " وحثه على القتال وكتاب (كيتا) اشتمل على هذا الحوار الذي جرى في ساحة الحرب، وأعفي سمعك من هذا الحوار المطول والمليء بالأساطير لأنتقل بك إلى الكتاب الثالث المقدس عند الهندوس إعطاء فكرة عنه، وهو المسمى (رامايانا).