ولعل هذا الصمت النقدي هو الذي دعا بعض الكتاب منا ومن المستشرقين إلى الادعاء بأن العرب لم يعرفوا قبل العصر الحديث الفن القصصي قبل أن ينقلوه عن الغرب إثر اتصالهم به في نهضتهم الحديثة، وهذا الرأي رأي فطير متسرع، ففي التراث الأدبي الذي خلفه لنا أسلافنا قصص كثير منه الديني، ومنه السياسي، ومنه الا جتماعي، ومنه الفلسفي، ومنه الوعظي، ومنه الأدبي، ومنه ما وضع للتسلية ليس إلا، ومنه الواقعي، ومنه الرمزي، ومنه المسجوع المجنس، ومنه المترسل، ومنه المحتفَى بلغته، والبسيط المنساب، ومنه الطويل مثل (رسالة النمر والثعلب) لسهل بن هارون، و (رسالة التوابع والزوابع) لابن شهيد، و (رسالة حي بن يقظان) لكل من ابن سينا وابن الطريد والسهروردي، و (قصص ألف ليلة وليلة)، و (سيرة عنترة)، و (سيرة سيف بن ذي يزن)، ومنه القصير كالحكايات التي تغص بها كتب الأدب والتاريخ المختلفة، وجمع طائفة كبيرة منها محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البيشاوي، ومحمد أحمد جاد المولى، في أربعة مجلدات كبار، بعنوان (قصص العرب) و (كليلة ودمنة) لابن المقفع.
ونحن مع المرحوم أنور الجندي أيضًا في استنكاره الشديد للمحاولات التي يبذلها بعض الكتاب لإحلال العامية محل الفصحى في كتابة الحوار القصصي والمسرحي، وإن زاد بعضهم في الطنبور نغمة فنادوا بأن تشغل العامية موضع الفصحى في كل مجالات الكتابة، إن هؤلاء إنما يتغيون ما يتغياه أولئك المستشرقون الذين كانوا ينادون بنبذ الفصحى واصطناع العامية بدلًا منها؛ كي نتقدم ونساير العصر، وترتقي العلوم في بلاد العرب، مع أن العامية في كل مكان هي مجرد لهجة للاستعمال اليومي ليس غير، فهي من ثم فقيرة فقرًا شنيعًا بحيث لا تستطيع أن تؤدي شيئًا من العلوم أو الآداب التي نعرفها، اللهم إلا الأسجال.