"جوته" يتحقق في عصرنا الحالي، من خلال الترجمات العالمية إلى اللغة الإنجليزية بوجه خاص، في حين أن جانب انحسار الأدب القومي غير صحيح، فالآداب القومية تبدو مزدهرة اليوم إلى جانب الأدب العالمي.
ويزيد المسألة غموضًا أن ما قاله "بيروس" طبقًا لما نقله عن الدكتور الخطيب ليس هو ما قصده جوته كما هو واضح، إذ إن ترجمة الأعمال الأدبية المختلفة القومية إلى لغة واحدة كالإنجليزية، تحظى بالانتشار الهائل في العصر الحديث مثلًا لا يحقق لتلك الأعمال بالضرورة ما أراده "جوته" من توحد أجناسها الأدبية، وأصولها الفنية وغاياتها الإنسانية، بحيث لا تبقى من حدود سوى حدود اللغة، وما يمكن أن توحي به البيئة والإقليم، ذلك أن ترجمة تلك الأعمال إنما تتيح لها الفرصة نحو قدر أعظم من الانتشار فحسب، ليس ذلك فقط بل إن كلام "جوته" عن أنه لم يبق في هذه الحالة سوى اللغة غير متحقق في الحالة التي نحن بصددها، إذ إن ترجمة الأعمال المذكورة إلى لغة واحدة قد أسدل ستائر النسيان على اللغة القومية بالنسبة إلى القراء الجدد؛ لأن القراء في هذه الحالة سوف يقرءون تلك الأعمال في غير رواتها.
أما الدكتور الطاهر أحمد مكي فيقول: إن "جوته" قد أعاد النظر في معنى عالمية الأدب، إذ رجع فوضح أن الفكرة التي ينادي بها ليست في أن تفكر الأمم بطريقة واحدة، وإنما عليها أن تتعلم كيف تتفاهم فيما بينها، وإذا لم يكن يعنيها الحب المتبادل، فلا أقل من أن تتعلم كيف تتسامح، فالحمد لله الذي جعل الفيلسوف والأديب الجرماني يرجع إلى ما يمكن وقوعه بدلًا من التعلق بأهداب ما يبدو مستحيلًا لا يُستطاع تحقيقه.
وثم معنى ثالث لمفهوم العالمية، ألا وهو بلوغ بعض الأعمال الأدبية مستوى فنيًّا ومضمونيًّا سامقًا بحيث يقبل عليها النقاد والقراء من مختلف دول العالم،