النفس، ثم عندما يحاولون تسجيل هذه المكبوتات في لوحات أو قصص أو مسرحيات غامضة مضطربة أو هاذية محمومة ربما لا يدركون هم أنفسهم لها معنى أو يحددون لها هدفًا وهي بالرموز والأحاجي أشبه منها بالأدب والفن مهما حاولوا أن يجعلوا من هذه الحمى مذهبًا أدبيّا أو فنيّا ومهما حاولوا تسويغ بعض اتجاهاته مثل تركهم مسرحياتهم أو قصصهم أحيانا بدون خاتمة بدعوى أنهم لا يقصدون غير الإثارة والإيحاء تاركين للقارئ أو المشاهد مهمة تصور الخاتمة التي يريدها حسبما ترسمها قواه النفسية المثارة أو المطلقة من كبتها.
والواقع أن مثل هذه السرياليات قد انتشرت في كثير من نصوص الشعر الذي يكتبه الحداثيون في الفترة الأخيرة، ويشيع فيه الاستغلاق، لقد صار الشعر على أيديهم فاقدًا للمعنى والوزن والقافية، واقترب في حالات كثيرة من الهلوسات والبهلوانيات، وهم في هذا إنما يقلدون بعض الشعراء الغربيين كعادتهم فيما يأتون وفيما يدعون، وهو سلوك كثير من المهزومين عسكريّا وسياسيّا واقتصاديّا، والمهزومين قبل هذا هزيمة نفسية وهي الهزيمة الفاصلة والحاسمة، فإذا اعترضت بأن هذا ليس بشعر؟! أجابوك بأن الشعر لم يخلق ليقول شيئًا؛ بل يلعب الشعر بالكلمات وحسب، ومع هذا تراهم مغرمين غرامًا عجيبًا بإذاعة شعرهم، كما تراهم يتهافتون أشد التهافت ليكتبوا عنه وعنهم، وكثيرا ما نرى أولئك النقاد الخصوم الذين يزعمون أن لغة الشعر ليست التوصيل ولا التفصيل وهم يسحرون ويتصببون عرقًا في تفسير ما يقصده الشعر من معنى، وهذا أكبر دليل على عظم التدليس الذي ينتهجه الفريقان كلاهما في حديثهم عن فن الشعر.