ويوضح مندور قائلًا: إنه قد يتبادر إلى ذهن القارئ: أن الرمزية لم تظهر إلا في الشعر، وأن الشعراء وحدهم هم الذين اهتموا بها نظرًا لما فيه من الغموض الذي بطبعه يناسب الشعر، لكنها في واقع الأمر لم تقتصر على الشعر الغنائي والنسوي، وإنما تعدته للأدب الموضوعي الذي يهتم بمشاكل الإنسانية والأخلاق الاجتماعية العامة تعالجها بوساطة الأخيلة والصور، ولكن يجب ألا يعزب عن البال أن الرمزية لا تأخذ في معالجة هذه المشاكل والأخلاق وتحليلها ونقدها كما في الكلاسيكية مثلًا، بل تأخذ في تقصير الأفكار النظرية المجردة وإلباسها شيئًا من الحوادث والأفعال، وتصبح ديناميكية متحركة، وتلمح من خلالها الحقائق الفلسفية والخفية.

ويضيف قائلا: إن الرمزيين كثيرًا ما يلجئون في علاج هذه الموضوعات إلى الأساطير القديمة، بل إنهم لينحون نحوها في ابتكارهم للحوادث والأعمال عند عرضهم أو مناقشاتهم أية قضية إنسانية، كما هو الملاحظ في القصص والمسرحيات التي ابتكروها من أخيلتهم كمسرحية "الأشباح" لأبسن ومسرحية "صفقة الشيطان" لجيروم، وتعرض المسرحية الأولى من خلال الوقائع مشكلة توارث الخطيئة على نحو يكاد يكون عضويّا لا دخل للوعي ولا للإرادة فيه؛ إذ نرى في هذه المأساة أبا يفسق بخادمته ثم يرث ابنه منه هذه الخطيئة فيهمّ هو الآخر بأن يفسق بخادمته على الرغم من أنه لم يعش في جو أسرته ولم يعش في جو الخطيئة بل أرسلته أمه بعيدًا عن ذلك المحيط الملوث ليتعلم ويتثقف، ولكنه همّ بفعلته تلك بعد عودته، فكأنها غريزة فيه وصفة فطرية ورثها من والده لا يستطيع عنها فكاكًا، وتصور المسرحية الثانية قضية صفقة تجارية يجريها شيخٌ شرير مع شابٍّ خيّر فيتبادل كل من روح صاحبه، ولكن كلا من الروحيين لا يستقر في جسم الآخر، فكأن هناك تلازمًا بين الجسم والروح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015