على التعبير القابعة في خفايا النفس وأعماق الضمير، ويرون أنه لابد من إضفاء شيء من الغموض والخفاء والإبهام على الصورة الشعرية؛ لتتوافر أمام القارئ فرصة التأمل والتفكير؛ كي تستوحي من الصورة معاني وخواطر جديدة؛ إذ الوضوح لا يترك للقارئ فرصة إعمال الذهن وكد العقل ويثير ما في الصورة من جمال ولذة وفائدة، بالإضافة إلى أن اللغة فيها شيء من القصور عن أن تنقل لنا المعاني المحددة والأجواء النفسية فيما لو أردنا إبرازها والتعبير عنها.
على أنه لا بد أن يكون في هذا الغموض والخفاء شيء من الإيحاء وانسيال الخواطر لا أن يكون من نوع ألأحاجي والألغاز، ولعل هذا ما يعبر عنه الشاعر بول فيرلين بقوله: أحب شيء إلي هو الأغنية السكرى؛ حيث يجتمع المحدد الواضح بالمبهم اللامحدود، ويقول أيضًا تتمة لهذا المعنى: الأهمية الأولى للظلال لا للألوان كما تتراءى العيون السحابة من خلف النقاب، فعبر بالظلال عن الصور الشعرية الغامضة الموحية، وبالألوان عن الصور الشعرية الواضحة.
والملاحظ، أن الرمزيين يحرصون على اختيار الألفاظ المشعة، التي توحي بأجواء النفسية خاصة وانفعالات عاطفية رحيبة؛ مثلا لفظة الربيع توحي بمنظر المياه الدافقة والخضرة اليافعة والأشجار المورقة الباسقة، وتسمعك خرير الماء وزقزقت العصافير وتغريد البلابل وصدح العنادل وتشعرك بالمتعة والانبساط والارتياح وانشراح النفس ونقاوة الضمير؛ ولهذا لا يُسمى الشعر عند الرمزيين شعرًا إلا إذا كان غامضًا موحيًا مهمًّا شافًّا عن أجواء نفسية غريبة متنوعة.
ولعلنا نستطيع أن نلم بمنهج الرمزية إذا رددنا النظر في قصائد الرمزيين، وفيما يلي قصيدة للشاعر ستيفن منرميه سبق أن استشهدنا منها ببعض الأبيات وفيها يقول:
لقد طرد الربيع الشاحب في حزن