بالتبعة على هذا الخبر الكاذب على "ألنبوس" لأنه يجعله هو الذي يسوق "لأنطونيوس" هذا النعي الكاذب، ويطلب أنطونيوس من كليوباترا آنذاك قبلة يسلم على آثارها الروح، وهذا أثر من مسرحية "دريدن" الذي يجعل هذا النعي يساق على لسان "ألكساس".
وتستنكر كليوباترا ما فعله "ألكساس"، ويطلب "أنطونيوس" منها قبلة هي أغلى عنده من كل ما سيتركه "لأكتافيوس"، ثم يسلم على أثرها الروح، وهذا مسلك كلاسيكي عام يتمثل في إظهار نبل أبطال المأساة، وإلقاء تبعة النقائص على الوصيفات أو الشخصيات الثانوية.
والكلاسيكيون يتبعون في ذلك قاعدة عامة وضعها لهم "أرسطو" وقد انتهج شوقي نفس الطريقة في إشاعة خبر انتصار كليوباترا في "أكتيوم" كذبًا؛ فقد جعل الخبر مسوقًا بتدبير وصيفة "شيمبيون"، وكذلك فعل شوقي في إلقاء التبعة الفشل السياسي لكليوباترا على العناصر الوطنية التي كانت لا تتجاوز في نقدها لتلك السياسة الحمقاء مجال الكلام، ولا تفكر في الاشتراك في توجيه الأحداث حتى إن حابي يرضى عن كليوباترا؛ لأنها صفحت عنه، ومنحته ضيعة يتمتع فيها مع حبيبته "هيلانة"، وهذا ما يتناوله أنوبيس في كلامه لحابي عقب الهزيمة الفاصلة في مصير البطلين:
وأين كنت يا فتى وأين فتيان الحمى
وأين فرسان المقال هل مضوا إلى الوغى
تركتمُ أنطونيوس وحده يلقى العدى
من أجلكم سل الحسام وإلى الحرب مشى
أبعد أن حل على النيل وواديه انقضى
ولم يجد من شيبه ولا شبانه الفدا
أتيت تدعوني كما تدعو العواجز السما
الرأي ليس نافعًا إذا أوامره مضى
وشوقي يُطيل فيما تقوله كليوباترا من أشعار قبيل انتحارها، تُبرر موقفها وتأسى على ماضيها، وتهيئ نفسها للإقدام على الانتحار، وهي أشعار طابعها غنائي،