وفي عصر النهضة انصرف الأدب الفرنسي عن الشرق الإسلامي وتصوير أهله، وولى وجهه شطر الآداب القديمة اليونانية واللاتينية يستوحيها ويحاكيها؛ ولكن الاهتمام بالشرق ما لبث أن احتل مكانه في الأدب الفرنسي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فظهرت له فيهما صورة أخرى مخالفة لتلك التي سادت في العصور الوسطى.

فالشرق في أدب هذين القرنين جميل الطلعة، طوق المحيا، خصب الخيال، لبيب فيه طموح يشوبه بعض غرور، وهو طيب الشمائل، مهذب الخلق، محمود العشيرة، كريم الضيافة، ثم إنه متسامح لا تعصب عنده، يحترم حرية غيره في الاعتقاد، مهما اختلف معه في العقيدة، ومحب لاستمتاع ميال للكسل، يؤمن بكثير من الخرافات، ويخضع خانعًا لدين طغاة المستبدين من حكامه، وهذا الكلام منقول عن بعض الكتاب الفرنسيين، ولا شك أن بعض هذه الملامح ملامح صادقة، فين حين أن بعضها ليس صحيحًا أو على الأقل فيه مبالغة وربما مبالغة شديدة.

وكان لما لقي الرحالة الفرنسيون من كرم الضيافة وحسن الاستقبال أثناء رحلاتهم في الشرق أثر كبير في إضفاء كثير من الصفات الحميدة على رجال الشرق من المسلمين، ولكنهم أطالوا في وصف تعسف الحكام وسوء استعمالهم لسلطانهم، وفي وصف الطاعة المطلقة من الشعوب الشرقية الذليلة التي لا يرتفع صوتها باحتجاج.

وهذا صحيح، وقد لاحظ الفرنسيون وغيرهم من الأوربيين هذه السمة في الشعوب الشرقية؛ لأن أوربا في ذلك الوقت قد استطاعت أن تقهر حكامها وأن تجبرهم على الخضوع لمنطق الديمقراطية، فخلعوا ثوب الاستبداد وأصبحوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015