مثلًا: عندنا مدام "ديستال" وهي أديبة فرنسية هاجرت إلى ألمانيا، ضيقًا بما تُعانيه فرنسا أيامها من طغيان نابليون، ومن تحكمه في حرية الأفكار فيها، فكانت تنشد في هجرتها بلدًا تتمتع فيه بتلك الحرية التي حرمتها في فرنسا، فجاءت آراؤها في كتابتها مشوبة بنوع من المثالية التي تحلم بها، أضفتها هي على كل ما رأت وما شرحت، وكان كتابها عن ألمانيا بمثابة صلوات طريد ينشد ملاذًا في عالم مثالي.
وقد أثرت بإدراكها في جيل من الكتاب والرحالة الفرنسيين، فظلت ألمانيا في إنتاجهم بلد الحرية الفنية في المسرحيات والشعر، كما ظلت بلد الحياة المرحة الطليقة التي يتمتع أهلها بملذات الحياة في كنف حرية رحبة الآفاق، وبالرغم من أن الصورة التي رسمتها مدام "ديستال" لألمانية كانت غير صادقة ومبالغ فيها، فقد ظلت ذات أثر بالغ في معاصريها ومن جاء بعدهم، من أدباء النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وهنا نحب أن نضيف شيئًا، فهذه الصورة التي رسمتها مدام "ديستايل" أو التي انطبعت في نفوس القراء الفرنسيين عن ألمانيا وعن الشعب الألماني، تختلف كثيرًا عن صورة الألمان عندنا نحن المصريين الآن إذ ننظر إليهم على أنهم شعب جاد خشن لا وقت عندهم للفكاهة ولا يعرف إلا الطرق المستقيمة، وكل حياته عمل في عمل، وجهامة في جهامة، أين الحقيقة بين هذا وذاك؟ الحقيقة يعلمها الله، وكما قال الدكتور هلال قبل قليل: إن كل إنسان يصور لنا صورة عن الأمة التي زارها بما يتفق ونظرته إلى الحياة ومزاجه الشخصي، وأفكاره، وفلسفته، وحالته النفسي التي كان عليها حين ذاك، ومقارنته بين ذالك البلد وبلده هو ... إلى آخره. هناك عوامل كثيرة تتحكم في تشكيل تلك الصور.
ويقول الدكتور هلال: على الباحث في هذا الباب أن يتعرض لتحديد ما رآه الرحالة من البلاد الأخرى، فمثلًا: المعروف أن مدام "ديستايل" لم تر من ألمانيا