وظلت فرنسا تهتم أولًا بالناحية الأدبية المسرحية "فاوست" التي تُرجمت إلى الفرنسية عام ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين، ونسج الكتاب الفرنسيين على مناولها في التأليف مناظر مسرحية غنائية مثل: "فاوست ومارجريت" لـ"شارل جونوا"، ومثل: لعنة "فاوست" تأليف "بيرليوز".

فلم يلتفت الفرنسيين أول معرفتهم بحوثه إلى الناحية الفلسفية في مؤلفاته، ولكن سرعان ما تنبهوا إليها فأصبح "فاوست" رمز الشخصية "الرومانتيكية" لا في حرصها على حل معضلات هذا العالم فحسب؛ بل أيضًا في تطلعها إلى عالم خير من الذي نحن فيه، حيث ترتوي بالمعرفة غرائز الإنسان وتسموا عواطفه فيزهد في الملذات وفي دواعي الهوى ويرقى إلى الكمال.

كما أن الشيطان يمثل في مسرحية فاوست عنصر الشر تمثيلًا فلسفيا فيه من الحرية الفنية، ما أوحى إلى كثير من الكتاب بالتخلص من الكلاسيكية.

كذلك رأى أصحاب نظرية الفن للفن في "جوته" الفنان المثالي، فقد رمى "تيوفيلي جوتيه" مثلًا إلى محاكاته في مجموعة أشعار "إيمو إيه كرميه"، ثم تعمق ناحيته الفلسفية أصحاب المدرسة البرنسية ومن لف لفهم إذ رأوا في "جوته" آثارًا للفلسفة الهيلينية ومن هؤلاء: "لكونت ديريل"، و"أنتون فرنس".

وآخر مرحلة أثر فيها "جوته" في الأدب الفرنسي كان تأثيره بحياته وشخصيته نفسها، لا بمؤلفاته وأفكاره، ففي أشعاره ومسرحياته مآخذ ونقص إذا اعتبرت في نفسها، ولكنها إذا وضعت موضعها من حياة مؤلفاها؛ فإنّها تمثل ألوانًا طيبة من تلك الحياة الغنية الذاخرة، ومن ثم فإنها تؤلف مجموعًا متناسقًا حيًّا لا مأخذ عليه.

وبهذا المعنى نراه قد أثر في كثير من كتاب فرنسا، وهو ما يلخصه ما قاله "أندريه جيد" من أن "جوته" يرتفع فوق أنقاض نفسه، فكل ذرة تسقط منه تقع مستقيمة تحت قدميه لتشغل مكانها في قاعدة تمثاله الخالد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015